يخالفه مما جاء فى كتب النوادر، لأن رواية الأولى رواية مشتهرة دون رواية الثانية.
ويقدم المالكية ما روى عن مالك فى مدونة سحنون على ما روى عنه فى غيرها.
ويقدم الشافعية ما روى عنه فى مبسوط الربيع المؤذن «الأم» على ما رواه الزعفرانى عنه .. لهذا السبب نفسه.
ولما تطاول الزمن قلت العناية بالرواية، ووجد لون منها غريب عجيب، وهو أجازه الراوى بما رواه لآخر من غير أن يكون قد تلقاه منه، ثم توسعوا فى هذه الإجازة التى ليس منها فائدة أصلا، وكانت الإجازة بالمراسلة بين من لم يلتقيا أصلا، وكان هذا فى الفقه كما كان فى السنة نفسها.
وقد بين ابن حزم فساد هذه الإجازات وبطلانها مستندا إلى أمتن الحجج.
وبعد أمد آخر تحللوا من الرواية ومزاياها وقالوا إن نقل الأحكام إما أن يكون بالرواية، أو بالأخذ من الكتب المعروفة التى تداولتها الأيدى وكانت من التصانيف المشهورة لأنها بمنزلة الخبر المتواتر والمشهور.
ثم جاء من لم يلتزم ذلك أيضا وقال لا تشترط الشهرة ولا التواتر، وتكفى غلب الظن بكون ذلك الكتاب هو المسمى بهذا الاسم، بأن وجد العلماء ينقلون عنه، ورأى ما نقلوه عنه موجودا فيه، أو وجد منه أكثر من نسخة، فإنه يغلب على الظن أنه هو، وإلا لزم أنه لا يجوز النقل عن الكتب المطولة المشهورة أسماؤها ولكن لم تتداولها الأيدى حتى صارت بمنزلة الخبر المتواتر أو المشهور لكونها لا توجد إلا فى بعض المدارس أو عند بعض الناس، وفى هذا ضياع لكثير من المؤلفات المعتبرة.
وكلا الرأيين عجيب فان الرواية ليست إلا لإثبات نسبة الكتاب لصاحبه أو لا ثم لإثبات أنه هو كما صدر عنه، لا نقص فيه ولا زيادة، ولا تصحيف ولا تحريف، ولا تغيير على أى وضع. وإذا كان للتداول فائدة فى المعنى الأول فإنه لا يغنى فيما عداه شيئا، أما غلبة الظن هذه فانها لا تنفع فى شئ.
ولقد فتح هذا التهاون بابا واسعا من الشر حتى حمل التلمسانى والمقرى من فقهاء المالكية على القول بأن كثرة التأليف قد أفسدت الفقه، لأن الرواية قد تركت وانقطعت سلسلة الاتصال، فكثر التصحيف، ونقلت الأحكام من كتب لا يدرى ما زيد فيها وما نقص، وقد كان أهل المائة السادسة وصدر من السابعة لا يجوزون الفتيا من كتاب التبصرة للخمى لأنها لم تصحح على مؤلفها ولم تؤخذ عنه وأكثر الناس اليوم لا يسيرون على هذا النمط، ولهذا كان التأليف سببا لفساد الفقه.
وإذا كانت الحملة على نفس التأليف قاسية، فإن ما قيل فى شأن المؤلفات غير المروية هو الحق عين الحق. وقد أصبحنا اليوم فى وضع لا يمكن تداركه إلا بالعناية بالمؤلفات ومراجعتها وتحقيقها تحقيقا تاما بالقدر المستطاع، حتى يؤدى إحياؤها على هذا الوجه قسطا مما كانت تؤديه الرواية.
ولقد عمت المصيبة اليوم فى ديارنا بأن تصدى لنشر بعض المبسوطات من لا صلة