أما فى الخمر فقد قيل بالمنع مطلقا سواء قام مقام الخمر غيره من المحرمات أم لا.
وقيل بالجواز مع عدم قيام غيرها مقامها وظاهر العبارة ومصرح الدروس أنه يجوز استعمالها للضرورة مطلقا حتى للدواء كالنزياق والاكتحال لعموم الآية الدالة على جواز تناول المضطر اليه والأخبار كثيرة فى المنع من استعمالها مطلقا حتى الاكتحال وفى بعضها ان الله تعالى لم يجعل فى شئ مما حرم دواء ولا شفاء وان من اكتحل بميل من مسكر كحله الله بميل من نار (١).
وانما يجوز للمضطر اذا كان غير باغ ولا عاد أن يتناول من المحرم ما يحفظ الرمق - وهو بقية الروح - والمراد أنه يجب أن يقتصر على حفظ النفس من التلف ولا يجوز التجاوز الى الشبع مع الغنى عنه ولو احتاج اليه للمشى أو العدو، أو الى التزود منه لوقت آخر جاز وهو حينئذ من جملة ما يسد الرمق وعلى هذا فيختص خوف المرض السابق بما يؤدى الى التلف ولو ظنا لا مطلق المرض، أو يخص هذا بتناوله للغذاء الضرورى، لا للمرض وهو أولى ولو وجد ميتة وطعام الغير فطعام الغير أولى أن بذله مالكه بغير عوض أو بعوض يكون المضطر قادرا عليه فى الحال أو فى وقت طلبه سواء كان بقدر ثمن مثله أم أزيد على ما يقتضيه الاطلاق، وهو أحد القولين.
وقيل لا يجب بذل الزائد عن ثمن مثله وان اشتراه به كراهة للفتنة، ولأنه كالمكره على الشراء بل له قتاله لو امتنع من بذله ولو قتل أهدر دمه، وكذا لو تعذر عليه الثمن.
والأقوى وجوب دفع الزائد مع القدرة لأنه غير مضطر حينئذ والناس مسلطون على أموالهم. وان لم يبذل الغير طعامه أصلا أو بذله لكن بعوض يعجز عنه المضطر أكل الميتة ان وجدها.
وفى حكم أكل المضطر الميتة فى هذه الحالة وجهان.
قيل: يحتم عليه أن يأكل الميتة وقيل يخير بين أكل الميتة وبين أكل طعام الغير على تقدير أنه قادر على قهر صاحبه عليه وذلك لاشتراكهما حينئذ فى التحريم.
وفى الدروس أنه مع قدرته على قهر الغير على طعامه بالثمن أو بدون الثمن مع تعذره لا يجوز له أن يأكل الميتة بل يأكل الطعام ويضمنه لمالكه فان تعذر عليه قهره أكل الميتة وهو حسن، لأن تحريم مال الغير عرضى بخلاف الميتة
(١) الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج ٢ ص ٢٩٠، ص ٢٩١ الطبعة السابقة.