للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واما الاثم فساقط‍ عن الناس جملة (١).

والخطأ يكون على ضربين احدهما فعل لم يقصده الانسان أصلا وذلك كرجل رمى غرضا فأصاب انسانا لم يقصده. وكانسان جر نفسه فاستجر ذبابا فدخل حلقه وهو صائم، أو أراد حك فخذه فمس ذكره.

فهذا وجه - وهو الذى يسميه أهل الكلام التولد لأنه تولد عن فعله ولم يقصد هو فعله.

والوجه الثانى: فعل قصد الانسان عمله الا أنه لم ينو بذلك طاعة ولا معصية ولا نوى بذلك ما حدث من فعله ولا قصد الى بعض ما أمر به ولا الى خلاف ما أمر به كانسان لطم آخر فوافق منية الملطوم أو كانسان صائم عمد الأكل وهو غير ذاكر لصومه ولا قاصد الى افساد صومه، أو نسى انه فى صلاة فقصد الى الأكل أو الى الكلام أو الى المشى غير عامد لافساد صلاته أو نسى انه على طهارة فقصد الى مس ذكره غير قاصد بذلك الى نقض وضوئه أو سقاه انسان بحضرة عدول من اناء أخبره أن فيه نبيذا غير مسكر فلما جرع منه قاصدا الى شربه علم أنه خمر فأزاله عن فيه بعد أن شرب منه، أو وطئ امرأة لقيها فى فراشه عامدا لوطئها وهو يظنها امرأته فاذا بها أجنبية أدخلت عليه، أو قرأ آية قاصدا الى الألفاظ‍ التى قرأ يظنها من القرآن وهى بخلاف ذلك فى القرآن، أو قتل صيدا عامدا لقتله غير ذاكر لاحرامه وهو محرم. فهذا الوجه الثانى، وكلاهما مرفوع لا ينقض شئ من ذلك عملا ولا ايمانا ولا يوجب اثما ولا حكما الا حيث جاء النص بأنه يوجب حكما مما ذكرنا فيوقف عنده ويكون مستثنى من الجملة التى ذكرنا منها طرفا كالنص الوارد فى ايجاب الدية على العاقلة، لأنه فى كلا الوجهين المذكورين لم ينو معصية (٢).

ومن ذلك من لقى رجلا فى صف المشركين فظنه مشركا فقتله عمدا وهو لا يعلم انه مسلم فاذا هو مسلم فلا خلاف فى أنه لا قود عليه ولا اثم، وكذلك سقط‍ الاثم والقود عن المتأول من الحكام وان كان عامدا ليس ذلك الا لأنه لم يقصد خلاف ما أمر به وهو يعلمه معصية، وكذلك من أكل لحم خنزير وهو يظنه لحم كبش أو حنث غير ذاكر ليمينه فكل هذا لا شئ عليه فيه ولا قضاء ولا اثم ولا تعزير ولا حد.

فان جاء نص فى شئ ما من ذلك كان مستثنى كمن صلى وهو يظن انه واضئ فاذا به غير واضئ فذكر بعد ذلك فهذا لم يصل فليصل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا صلاة الا بطهور» وهذا لم يصل كما أمر، واما من صلى وفى ثوبه شئ فرض اجتنابه على من بلغه أو صلى الى غير القبلة، فان كان ممن لم يبلغه فرض اجتناب ذلك الشئ ولا فرض القبلة فصلاته تامة لأنه لم يكلف ما لم يبلغه،


(١) الاحكام فى أصول الاحكام لابى محمد على بن حزم الاندلسى ج ٥ ص ١٤٩، ١٥٠ بتصحيح الشيخ احمد محمد شاكر الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة ١٣٤٧ هـ‍
(٢) المرجع السابق ج ٥ ص ١٥٤، ١٥٥ نفس الطبعة.