للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جواز الترخص بذلك فى حالة المخمصة عملا بمفهوم قول الله عز وجل:

«فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ» (١) الآية، قلنا: لا مفهوم للمخمصة فى الآية لأنها انما ذكرت لكونها الأغلب من حالات المصطر.

ففى العادة أنه لا يضطر غالبا الى أكل الميتة ونحوها الا الجوع الشديد. وكذلك بصح للمجبر أن يترخص باتلاف مال الغير.

فاذا اكره الجبار أحدا على اضاعة مال غيره جاز له التقية بذلك فصح له اتلافه بشرط‍ ضمانه لصاحبه، ومعنى ذلك انه لا يكون آثما فى اتلافه لأن النفوس تفدى بالمال ولا عكس وانما أوجبنا عليه الضمان لئلا يضيع مال الغير فى شئ، وفى الحديث:

لا تواء على مال امرئ مسلم والتواء الهلاك.

وممن لم يأخذ بالرخصة فى شئ من هذه الامور لكنه تمسك بالعزيمة حتى قتل عليها أو عذب جاز بذلك من الله المقام الأكمل اذ لا يلزمه الترخص فى شئ منها بل الترخص فيها كلها جائز فقط‍ خلافا لمن أوجب التقية بأكل الميتة واشباهها، ونحن نقول انه لا فرق فى الاكراه بين الأخذ بالعزيمة فى ترك التلفظ‍ بالكفر وفى ترك الترخص بأكل الميتة.

وقد ورد أن رجلين مرا على مسيلمة فأخذهما فقال: لأحدهما ما تقول فى محمد فقال رسول فقال ما تقول فى قال أنت أيضا فخلاه، وقال للآخر ما تقول فى محمد؟ قال رسول الله، قال ما تقول فى؟ قال أنا اصم، فأعاد ثلاثا فأعاد جوابه فقتله فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

أما الأول فقد أخذ بالرخصة.

وأما الثانى فقد صدع بالمحق، فهنيئا له.

فهذه عدة أدلة مصرحة بأن الأخذ بالعزيمة أوسع بل هو أفضل من الترخص ولم يعد تارك الرخصة فى هذه الصورة حتى قتل مهلكا نفسه فكذا أكل الميتة، والفرق بينهما عسر جدا (٢).


(١) الآية رقم ٣ من سورة المائدة.
(٢) شرح طلعة الشمس على الألفية المسماة بشمس الاصول لأبى محمد عبد الله بن حميد السالمى ج ٢ ص ٢٧١ وما بعدها الى ص ٢٧٣ فى كتاب على هامشه كتابان هما بهجة الأنوار شرح أنوار العقول فى التوحيد، والحجج المقنعة فى أحكام صلاة الجمعة لأبى محمد عبد الله ابن حميد السالمى طبع مطبعة الموسوعات بمصر.