للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك فاذا احتمل حصول المقصود بأهون الدعوتين لزم الافتتاح بها.

هذا اذا كانت الدعوة لم تبلغهم فان كانت قد بلغتهم جاز لهم أن يفتتحوا القتال من غير تجديد الدعوة لما بينا من أن الحجة لازمة والعذر فى الحقيقة منقطع وشبهة العذر انقطعت بالتبليغ مرة لكن مع هذا الأفضل أن لا يفتتحوا القتال الا بعد تجديد الدعوة لرجاء الاجابة فى الجملة.

وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقاتل الكفرة حتى يدعوهم الى الاسلام فيما كان دعاهم غير مرة، فهل أن الافتتاح بتجديد الدعوة أفضل (١). واذا كان الكفرة فى أمان المسلمين أمانا مطلقا وأراد الامام أن ينقضه جاز له ذلك لأن عقد الأمان عقد غير لازم لكن ينبغى أن يخبرهم بالنقض ثم يقاتلهم لئلا يكون من المسلمين غدر فى العهد (٢).

ومثل عقد الأمان عقد الموادعة فى أنه عقد غير لازم محتمل للنقض ما دام الصلح على أن يستبقوا على أحكام الكفر فللامام أن ينبذ اليهم لقول الله سبحانه وتعالى:

«وَإِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ ٣». فاذا وصل النبذ الى ملكهم فلا بأس للمسلمين أن يغزوا عليهم لأن الملك يبلغ قومه ظاهرا الا اذا استيقن المسلمون أن خبر النبذ لم يبلع قومه ولم يعلموا به فلا أحب أن يغزوا عليهم لأن الخبر اذا لم يبلغهم فهم على حكم الأمان الأول فكان قتالهم منا غدرا وتعزيرا وكذلك اذا كان النبذ من جهتهم بأن أرسلوا الينا رسولا بالنبذ وأخبروا الامام بذلك فلا بأس للمسلمين أن يغزوا عليهم لما قلنا الا اذا استيقن المسلمون ان أهل ناحية منهم لم يعلموا بذلك لما بينا.

ولو وادع الامام على جعل أخذ منهم ثم بدا له أن ينقض فلا بأس به لما بينا أنه عقد غير لازم فكان محتملا للنقض ولكن يبعث اليهم بحصة ما بقى من المدة من الجعل الذى أخذه لأنهم انما أعطوه ذلك بمقابلة الأمان فى كل المدة فاذا فات بعضها لزم الرد بقدر الفائت. هذا اذا وقع الصلح على أن يكونوا مستبقين على أحكام الكفر، فأما اذا وقع الصلح على أنه يجرى عليم أحكام الاسلام فهو لازم لا يحتمل النقض لأن الصلح الواقع على هذا الوجه عقد ذمة فلا يجوز للامام أن ينبذ اليهم.

هذا ولا يخلو عقد الموادعة من أن يكون مطلقا عن الوقت وأن يكون موقتا بوقت معلوم فان كان مطلقا عن الوقت فالذى ينتقض به:

نوعان نص ودلالة.

أما النص فهو النبذ من الجانبين صريحا.

وأما الدلالة فهى أن يوجد منهم ما يدل على النبذ نحو أن يخرج قوم من دار الموادعة باذن الامام ويقطعوا الطريق فى دار الاسلام لأن اذن الامام بذلك دلالة النبذ.

ولو خرج قوم من غير اذن الامام فقطعوا الطريق فى دار الاسلام فان كانوا جماعة لا منعة لهم لا يكون ذلك نقضا للعهد لأن قطع الطريق بلا منعة لا يصلح دلالة للنقض وان كانوا جماعة لهم منعة فخرجوا بغير اذن الامام ولا اذن مملكته فالملك وأهل مملكته على موادعتهم لانعدام دلالة النقض فى حقهم وان كان عقد الموادعة موقتا بوقت معلوم فانه ينتهى بانتهاء الوقت من غير حاجة الى النبذ حتى كان للمسلمين أن يغزوا عليهم لأن العقد المؤقت الى غاية ينتهى بانتهاء الغاية من غير حاجة الى الناقض (٤).


(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج‍ ٧ ص ١٠٠ الطبعة المتقدمة.
(٢) المرجع السابق للكاسانى ج‍ ٧ ص الطبعة المتقدمة
(٣) الآية رقم ٥٨ من سورة الأنفال.
(٤) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج‍ ٧ ص ١٠٩ - ١١٠ الطبعة المتقدمة.