للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السعى ولو قيل انه يحرم لكان وجهه ظاهرا لقوله تعالى:

«تِلْكَ الدّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ١}.

وعلى القاضى الجديد أن يكون أول ما يبدأ به الكشف عن الشهود والموثقين فيعرف حال من لا يعرف حاله منهم ويفحص عن عدالتهم فمن كان عدلا أثبته ومن كان فيه جرحه أسقطه وأراح المسلمين من اذايته.

ولا يحل له أن يترك غير المرضى ينصبه للناس فانها خديعة للمسلمين ووصمة فى شعائر الدين، وعليه أن يصرح بعزل هؤلاء ويسجل على شاهد الزور كتابا مخلدا بعد عقوبته وكذلك يجب عليه أن يكشف عن المحبوسين واذا ولى قضاء غير بلده فنقل فى التوضيح عن المازرى أنه يسئل عن عدول البلد قبل خروجه قال:

وينادى مناد يشعر الناس باجتماعهم لقراءة سجله المكتوب بولايته (٢).

وذكر صاحب التاج والاكليل نقلا عن المتيطى وغيره أن أول ما يبدأ به القاضى النداء عن اذنه أنه حجر على كل يتيم لا ولى له وعلى كل سفيه مستوجب للولاية عليه وان من علم منكم واحدا من هذين فليرفعه الينا لنولى عليه، ومن باع منهما بعد النداء فهو مردود (٣).

قال الامام مالك فى المدونة واذا ظهر الامام على شاهد الزور ضربه بقدر رأيه ويطاف به فى المجالس.

وروى ابن وهب أن محمدا كتب الى عماله بالشام ان أخذتم شاهد زور فاجلدوه أربعين وسخموا وجهه وطوفوا به حتى يعرفه الناس ويطال حبسه ويحلق رأسه (٤).

وجاء (٥) فى التاج والاكليل أن ابن عرفة قال القضاء على الغائب سمع ابن القاسم فيه قال الامام مالك: أما المدين فانه يقضى عليه، فأما كل شئ فيه حجج فلا يقضى عليه.

قال سحنون والذى تكون فيه الحجج قال ابن رشد: مذهب مالك أن قربت غيبته كمن على ثلاثة أميال كتب اليه وأعذر اليه فى كل حق أما وكل أو قدم فان لم يفعل حكم عليه فى الدين وبيع عليه ماله من أصل أو غيره وفى استحقاق العروض والحيوان والأصول.

وكل الأشياء من طلاق وعتق وغيره وان لم تزج له حجة فى شئ وان بعدت غيبته على عشرة أيام ونحوها حكم عليه فى غير استحقاق الرباع (أى المنازل) والأصول من الديون والحيوان والعروض ورجيت حجته فيه. وذكر ابن رشد أن غيبته ان بعدت وانقطعت كالعدوة من الأندلس ومكة حكم عليه فى كل شئ من حيوان وعروض ودين والرباع والأصول، ورجئت حجته فى ذلك وزاد ابن رشد فى أجوبته:

أن هذا التحديد فى القرب والبعد انما هو مع أمن الطريق وكونها مسلوكة وان لم تكن كذلك حكم عليه وان قربت غيبته.

ولو استعدى شخص على رجل غائب أعداه القاضى على خصم بطابع يعطيه اياه فاذا أتى صاحبه أمر بأخذ الطابع منه أو أعداه عليه برسول قال ابن فتوح ينبغى للقاضى ان كان قريبا أن يأمر غلامه الذى له الاجارة من بيت


(١) الآية رقم ٨٣ من سورة القصص.
(٢) مواهب الجليل شرح مختصر أبى الضيا سيدى خليل المعروف بالمولق ج‍ ٦ ص ١١٤، ص ١١٥ الطبعة المتقدمة.
(٣) مواهب الجليل شرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل على هامش مواهب الجليل ج‍ ٦ ص ١١٥ الطبعة الأولى سنة ١٣٢٩ هـ‍.
(٤) المرجع السابق ج‍ ٦ ص ١٢٢.
(٥) المرجع السابق ج‍ ٦ ص ١٤٣ - ١٤٤ الطبعة المتقدمة.