ووجه ما ذكره الكرخى ما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال اذا استهل المولود غسل وان لم يستهل لم يغسل ولأن وجوب الغسل بالشرع وأنه ورد باسم الميت ومطلق اسم الميت فى العرف لا يقع على من ولد ميتا، وهذا اذا لم يستهل فاذا استهل بأن حصل منه ما يدل على حياته من بكاء أو تحريك عضو أو طرف أو غير ذلك فانه يغسل بالاجماع لما روينا ولأن الاستهلال دلالة الحياة فكان موته بعد ولادته حيا فيغسل.
وعلى هذا يخرج ما اذا وجد من أطراف الانسان كيد أو رجل فلا يغسل لأن الشرع ورد بغسل الميت، والميت اسم لكله ولو وجد الأكثر منه غسل لأن للأكثر حكم الكل وان وجد الأقل منه أو النصف لم يغسل لأن هذا القدر ليس بميت حقيقة وحكما ولأن الغسل للصلاة وما لم يزد على النصف لا يصلى عليه فلا يغسل.
وذكر القاضى فى شرحه مختصر الطحاوى أنه اذا وجد النصف ومعه الرأس يغسل وان لم يكن معه الرأس لا يغسل فكأنه جعله مع الرأس فى حكم الأكثر لكونه معظم البدن، ولو وجد نصفه مشقوقا لا يغسل لما قلنا، ولأنه لو غسل الأقل أو النصف يصلى عليه لأن الغسل لاجل الصلاة ولو صلى عليه لا يؤمن أن يوجد الباقى فيصلى عليه فيؤدى الى تكرار الصلاة على ميت واحد وذلك مكروه أو يكون صاحب الطرف حيا فيصلى على بعضه وهو حى وذلك فاسد.
ومنها أن يكون الميت مسلما فلا يجب غسل الكافر لأن الغسل وجب كرامة وتعظيما للميت، ولكن اذا كان ذا رحم من المسلم لا بأس بأن يغسله، لأن الابن ما نهى عن البر بمكان أبيه الكافر، والأصل ما روى فيه عن على رضى الله عنه لما مات أبوه أبو طالب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: ان عمك الضال قد توفى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب وغسله وكفنه وواره ولا تحدثن حدثا حتى تلقانى قال على رضى الله عنه: ففعلت ذلك وأتيته فأخبرته فدعى لى بدعوات ما أحب أن يكون لى بها حمر النعم، وقال سعيد بن جبير رضى الله عنه سأل رجل عبد الله بن عباس رضى الله عنه فقال: ان امرأتى ماتت نصرانية فقال: أغسلها وكفنها وادفنها، وان مات مسلم وله أب كافر فينبغى ألا يمكن من تغسيله بل يغسله المسلمون، ولو اجتمع الموتى المسلمون والكفار ينظر ان كان للمسلمين علامة يمكن الفصل بها، وان لم يكن بهم علامة يغسلوا جميعا كان المسلمون أكثر أو الكفار أكثر أو كانوا على سواء، ووجه أن غسل المسلم واجب وغسل الكافر جائز فيؤتى بالجائز لتحصيل الواجب، ولو وجد ميت أو قتيل فى دار الاسلام فان كان عليه سيما المسلمين يغسل وان لم يكن عليه سيما المسلمين - أى علامتهم - ففيه روايتان والصحيح أنه يغسل لحصول غلبة الظن بكونه مسلما بدلالة المكان وهى دار الاسلام، ولو وجد فى دار الحرب فان كان معه سيما المسلمين يغسل وان لم يكن معه سيما المسلمين ففيه روايتان والصحيح لا يغسل، والحاصل أنه لا يشترط الجمع بين السيما ودليل المكان بل يعمل بالسيما وحده بالاجماع أما دليل المكان ففيه روايتان والصحيح أنه يعمل به لحصول غبلة الظن عنده.
ومنها أن يكون عادلا حتى لا يغسل الباغى اذا قتل، وألا يكون ساعيا فى الأرض بالفساد فلا يغسل البغاء وقطاع الطريق والمكاثرون والخناقون اذا قتلوا، لأن المسلم يغسل كرامة له وهؤلاء لا يستحقون الكرامة بل الاهانة.
وعن محمد أن من قتل مظلوما لا يغسل، ومن قتل ظالما يغسل.
ومنها وجود الماء لأن وجود الفعل مقيد بالوسع ولا وسع مع عدم الماء فسقط الغسل، ولكن ييمم بالصعيد. لأن التيمم صلح بدلا عن الغسل فى حالة الحياة فكذا بعد الموت.