قال أبو محمد: كنا نذهب الى أن المجنون والمغمى عليه يبطل صومهما ولا قضاء عليهما وكذلك الصلاة ونقول ان الحجة فى ذلك ما رويناه مسندا عن على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رفع القلم عن ثلاثة:
(عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبى حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل).
وكنا نقول اذا رفع القلم عنه فهو غير مخاطب بصوم ولا بصلاة، ثم تأملنا هذا الخبر فوجدناه ليس فيه الا ما ذكرنا من أنه غير مخاطب فى حال جنونه حتى يعقل وليس فى ذلك بطلان صوم الذى لزمه قبل جنونه ولا عودته عليه بعد افاقته، وكذلك المغمى عليه.
فوجب أن من جن بعد أن نوى الصوم من الليل فلا يكون مضطرا بجنونه لكنه فيه مخاطب وقد كان مخاطبا به فان أفاق فى ذلك اليوم أو فى يوم بعده من أيام رمضان فانه ينوى الصوم من حينه ويكون صائما لأنه حينئذ علم بوجوب الصوم عليه وكذلك من أغمى عليه كما ذكرنا.
وكذلك من جن أو أغمى عليه قبل غروب الشمس أو نام أو سكر قبل غروب الشمس فلم يستيقظ ولا صحا الا من الغد، وقد مضى أكثر النهار أو أقله ووجدنا المجنون لا يبطل جنونه ولا ايمانه ولا نكاحه ولا طلاق ولا ظهاره ولا ايلاءه ولا حجه ولا احرامه ولا بيعه ولا هبته ولا شيئا من أحكامه اللازمة له قبل جنونه ولا خلافته ان كان خليفة ولا امارته.
ان كان أميرا ولا ولايته ولا وكالته ولا توكيله ولا كفره، ولا فسقه، ولا عدالته، وصاياه ولا اعتكافه ولا سفره ولا اقامته ولا ملكه ولا نذره، ولا حنثه ولا حكم العام فى الزكاة عليه.
ووجدنا ذهوله لا يوجب بطلان شئ من ذلك فقد يذهل الانسان عن الصوم والصلاة حتى يظن أنه ليس مصليا ولا صائما فيأكل ويشرب ولا يبطل بذلك صوم ولا صلاته، بهذا جاءت السنن.
وكذلك المغمى عليه ولا فرق فى كل ذلك، ولا يبطل الجنون والاغماء الا ما يبطل النوم من الطهارة بالوضوء وحده فقط وأيضا فان المغلوب المكره على الفطر لا يبطل صومه بذلك والمجنون والمكره مغلوبان مكرهان مضطران بقدر غالب من عند الله تعالى على ما أصابهما فلا يبطل ذلك صومهما.
وأيضا فان من نوى الصوم كما أمره الله عز وجل ثم جن أو أغمى عليه فقد صح صومه بيقين من نص واجماع فلا يجوز بطلانه بعد صحته الا بنص أو اجماع ولا اجماع فى ذلك أصلا.
وأما من بلغ مجنونا مطيقا فهذا لم يكن قط مخاطبا، ولا لزمته الشرائع ولا الأحكام ولم يزل مرفوعا عنه القلم فلا يجب عليه قضاء صوم أصلا.
وأما من شرب حتى سكر فى ليلة رمضان وكان نوى الصوم فصحا بعد صدر من النهار أقله أو أكثر أو بعد غروب الشمس فصومه قام وليس السكر معصية، انما المعصية شرب ما يسكر سواء سكر أم لم يسكره.
ولا خلاف فى أن من فتح فمه أو أمسكت يده وجسده وصب الخمر فى حلقه حتى سكر أنه ليس عاصيا بسكره أنه لم يشرب ما يسكره اختيارا والسكر ليس هو فعله انما هو فعل الله تعالى فيه.
وانما ينهى المرء عن فعله لا عن فعل الله تعالى فيه الذى لا اختيار له فيه.
وكذلك من نام ولم يستيقظ الا فى النهار ولا فرق أو من نوى الصوم ثم لم يستيقظ الا بعد غروب الشمس فصومه تام.
وبقى حكم من جن أو أغمى عليه أو سكر أو نام قبل غروب الشمس فلم يفق ولا صحا ولا