للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول الشافعى فى هذا: من شرب خمرا أو نبيذا مسكرا فسكر لزمه ما أقر به وفعل مما لله وللآدميين، لأنه ممن تلزمه الفرائض، ولأن عليه حراما وحلالا وهو آثم بما دخل فيه من شرب المحرم.

ولا يسقط‍ عنه ما صنع (١) وهكذا ألزم الشافعى السكران بما قاله أو فعله حال سكره مما فيه حق لله أو للآدميين.

وهكذا كان مذهب أبى حنيفة، فيما عدا أنه لم يؤاخذ بردته.

لأن الركن فى الردة هو الاعتقاد، والسكران غير معتقد لما يقول لزوال عقله، فلا يحكم بردته لزوال ركنها لا للتخفيف عنه فى الردة خاصة (٢).

أما مذهب مالك فى ذلك فيروى ابن القاسم حين سئل.

أرأيت ظهار السكران من امرأته، أيلزمه الظهار فى قول مالك؟ قال: قال مالك يلزم السكران الطلاق فكذلك الظهار عندى هو لازم له، لأن الظهار انما يجر الى الطلاق (٣).

وقد قال مالك: «طلاق السكران ونكاحه وجميع أفعاله جائزة الا الردة فقط‍، فلا يحكم له فى شئ من أموره بحكم المرتد.

وهو فى هذا يوافق أبا حنيفة فى استثناء الردة خاصة.

أما مذهب ابن حنبل فان ابن قدامه يقول عن السكران بعد أن يذكر تعدد الرواية عن أحمد فى طلاقه «والحكم فى عتقه ونذره وبيعه وشرائه وردته واقراره وقتله وقذفه وسرقته كالحكم فى طلاقه لأن المعنى فى الجميع واحد (٤).

أما مذهب الظاهرية فيرى ابن حزم أن السكران لا يؤاخذ عند افاقته بشئ مما قاله أو فعله حال سكره.

ويقول انه يأخذ حكم المجنون فى ذلك تماما.

ويروى أن أبا حنيفة ومالكا والشافعى وغيرهم قد خالفوا فى الحاق السكران بالمجنون ويقول:

وحجتنا فى السكران قول الله تعالى {(لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ)} فمن شهد الله تعالى بأنه لا يدرى فلا يحل أخذه بما لا يدرى (٥).

أما الزيدية فانهم يلحقون السكران بالمجنون فى بعض تصرفاته مثل البيع والشراء والهبة والنكاح فلا يجيزون شيئا من هذه الأفعال السابقة اذا انعقدت حال سكره ولا يلزمونه بشئ منها عند افاقته (٦).

ولكنهم يختلفون فى شئ من تصرفاته الأخرى حيث يذهب بعضهم الى الحاقه بالمجنون فلا يلزمونه بها.

بينما يذهب آخرون الى الحاقه بالمفيق كما يفعل عدد من أئمة المذاهب السابقة، وقد مر بنا خلاف علمائهم فى ايقاع طلاق السكران وأيضا يقول القاضى اليمانى:

ان الوصية لا تصح من مجنون وتصح من السكران على الأصح كسائر انشاءاته (٧).


(١) الأم ج‍ ٣ ص ٣٠٩
(٢) الهداية وفتح الغدير ج‍ ٣ ص ٣٤٥ - ٣٤٧ وراجع المحلى ج‍ ١٠ ص ٢٠٩
(٣) المدونة الكبرى ج‍ ٦ ص ٥٢ وراجع المحلى ج‍ ١٠ ص ٢٠٩
(٤) المغنى ج‍ ٧ ص ١١٥
(٥) المحلى ج‍ ٨ ص ٤٩ - ٥٠
(٦) شرح الأزهار ج‍ ٣ ص ٣، ٤٣٥ والتاج المذهب ج‍ ٢ ص ٢٢
(٧) التاج المذهب ج‍ ٤ ص ٣٥٧ وان كنا لا نجد فيما يتيسر لنا من فقه الزيدية تفصيلا لكل الامور المختلف فيها من تصرفات لسكران ومدى الزامه بها عند افاقته راجع أبواب الفقه المختلفة فى تصرفات السكران فى الكتب التالية البحر الزخار وشرح الأزهار التاج المذهب.