للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما أسارى بدر فقد قيل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما فعل ذلك باجتهاده ولم ينتظر الوحى فعوتب عليه بقول الله سبحانه وتعالى:

«لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ» (١) حتى قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم لو أنزل الله من السماء نارا ما نجا إلا عمر رضى الله تعالى عنه.

ويدل عليه قول الله عز وجل «ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ٢» على أحد وجهى التأويل، أى ما كان لنبى أن يأخذ الفداء فى الأسارى حتى يثخن فى الأرض.

ويحتمل أن المفاداة كانت جائزة ثم انتسخت بقول الله تبارك وتعالى:

«فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ» (٣).

أما محمد رحمه الله تعالى فانه يقول إن الإعانة لا تحصل من الشيخ الكبير الذى لا يرجى منه ولد فجاز فداؤه بالمال.

ولكنا نقول إن كان لا يحصل بهذا الطريق يحصل بطريق آخر وهو الرأى والمشورة وتكثير السواد.

أما مفاداة الأسير بالأسير فلا تجوز عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى، لأن قتل المشركين فرض

بقول الله عز وجل «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ» وقول الله تبارك وتعالى «فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ» فلا يجوز تركه إلا لما شرع له إقامة للفرض وهو التوسل إلى الإسلام، لأنه لا يكون تركا معنى وذا لا يحصل بالمفاداة ويحصل بالذمة والاسترقاق فيمن يحتمل ذلك.

وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى:

تجوز مفاداة الأسير بالأسير لأن فى المفاداة إنقاذ المسلم وذلك أولى من إهلاك الكافر إلا أنهما اختلفا فيما بينهما هل تجوز المفاداة قبل القسمة أو بعدها.

فقال أبو يوسف: تجوز المفاداة قبل القسمة ولا تجوز بعدها، لأن المفاداة بعد القسمة إبطال ملك المقسوم له من غير رضاه وهذا لا يجوز فى الأصل بخلاف ما قبل القسمة لأنه لا ملك قبل القسمة انما الثابت حق غير متقرر فجاز أن يكون محتملا للابطال بالمفاداة.

وقال محمد رحمه الله تعالى: تجوز المفاداة قبل القسمة وبعدها، لأنه لما جازت المفاداة قبل القسمة فكذا بعد القسمة لأن الملك ان لم يثبت قبل القسمة فالحق ثابت ثم قيام الحق لم يمنع جواز المفاداة فكذا قيام الملك لا يمنع جواز المفاداة

ولا تجوز مفاداة الكراع والسلاح بالمال، لأن كل ذلك يرجع الى اعانتهم على الحرب ..

وتجوز مفاداة أسارى المسلمين بالدراهم والدنانير والثياب ونحوها مما ليس فيها اعانة لهم على الحرب ولا يفادون بالسلاح لأن فيه اعانة لهم على الحرب


(١) الآية رقم ٦٨ من سورة الأنفال.
(٢) الآية رقم ٦٧ من سورة الأنفال.
(٣) الآية رقم ٤ من سورة محمد.