للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقد أدى المحل الذى تعلق الحق به، ولأن حق المجني عليه لا يتعلق بأكثر من الرقبة وقد أداها، وإن طلب المجنى عليه بتسليمه إليه وأبى ذلك سيده لم يجبر عليه، وإما إن كانت الجناية أكثر من قيمته ففيه روايتان:

عن أحمد إحداهما: أن سيده يخير بين أن يفديه بقيمته أو أرش جنايته، وبين أن يسلمه، لأنه إذا أدى قيمته فقد أدى قدر الواجب عليه، فإن حق المجنى عليه لا يزيد على العبد فلم يلزمه أكثر من ذلك، كما لو كانت الجناية بقدر قيمته.

الرواية الثانية: يلزمه تسليمه إلا أن يفديه بأرش جنايته بالغة ما بلغت، لأنه ربما إذا عرض للبيع رغب فيه راغب بأكثر من قيمته فإذا أمسكه فقد فوت تلك الزيادة على المجنى عليه.

ووجه الرواية الأولى أن الشرع قد جعل له فداءه فكان له فداؤه وكان الواجب قدر قيمته كسائر المتلفات، فإن كانت الجناية موجبة للقصاص (١) فعفا ولى الجناية على أن يملك العبد لم يملكه بذلك، لأنه اذا لم يملكه بالجناية فلأن لا يملكه بالعفو أولى ولأنه إذا عفى عن القصاص انتقل حقه إلى المال فصار كالجانى جناية موجبة للمال، وفيه رواية أخرى أنه يملكه لأنه مملوك استحق إتلافه فاستحق إبقاؤه على ملكه كعبده الجانى عليه.

قال أبو طالب سمعت أبا عبد الله أحمد يقول اذا أمر السيد غلامه فجنى فعليه ما جنى وإن كان أكثر من ثمنه إن قطع يدخر فعليه دية يد الحر وان كان ثمنه أقل وإن أمره سيده أن يجرح رجلا فما جنى فعليه قيمة جنايته وإن كانت أكثر من ثمنه لأنه بأمره.

وقال أحمد حدثنا حماد بن سلمة حدثنا قتادة عن خلاس أن عليا قال: إذا أمر الرجل عبده فقتل إنما هو كسوطه أو كسيفه يقتل المولى والعبد يستودع السجن، ولأنه فوت شيئا بأمره فكان على السيد ضمانه كما لو استدان، فإن جنى جنايات بعضها بعد بعض فالجانى بين أولياء الجنايات بالحصص، لأنهم تساووا فى سبب تعلق الحق به فتساووا فى الاستحقاق، كما لو جنى عليهم دفعة واحدة، وإن أعتق (٢) السيد عبده الجانى عتق وضمن ما تعلق به من الأرش، لأنه أتلف محل الجناية على من تعلق حقه به فلزمه غرامته كما لو قتله.

ونقل ابن منصور عن أحمد أنه إن أعتقه عالما بجنايته فعليه دية المقتول، وإن لم يكن عالما بجنايته فعليه قيمة العبد، وذلك لأنه إذا أعتقه مع العلم كان مختارا لفدائه، بخلاف ما إذا لم يعلم فإنه لم يختر الفداء لعدم علمه به فلم تلزمه أكثر من قيمة ما فوته، فإن باعه أو وهبه صح بيعه ولم يزل تعلق الجناية عن رقبته، فإن كان المشترى عالما بحاله فلا


(١) المغنى لابن قدامة المقدسى ومعه الشرح الكبير فى كتاب لشمس الدين ابى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر بن أحمد بن قدامة المقدسى ج ٩ ص ٥١٢، ٥١٣، ٥١٤ الطبعة السابقة.
(٢) المغنى لابن قدامة المقدسى ومعه الشرح الكبير فى كتاب لشمس الدين أبى الفرج بن محمد احمد بن قدامة المقدسى ج ٩ ص ٥١٣، ٥١٤ الطبعة السابقة.