للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وابن مسعود وعائشة رضى الله تعالى عنهما كانوا يحددون الحج.

ولنا ما روى ابن عباس وجابر وأبو موسى وعائشة رضى الله تعالى عنهم أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه لما طافوا بالبيت أن يحلوا ويجعلوها عمرة فنقلهم من الإفراد والقران إلى المتعة ولا ينقلهم إلا إلى الأفضل.

وهذه الأحاديث متفق عليها (١) ولم يختلف عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه لما قدم مكة أمر أصحابه أن يحلوا إلا من ساق هديا وثبت على إحرامه وقال: «لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما سقت الهدى ولجعلتها عمرة».

قال جابر رضى الله تعالى عنه حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ساق البدن معه وقد أهلوا بالحج مفردا فقال لهم: «حلوا من إحرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة ثم أقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا التى قد قمتم بها متعة» فقالوا كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج؟ فقال: «افعلوا ما أمرتكم به فلولا أنى سقت الهدى لفعلت مثل الذى أمرتكم به». وفى لفظ‍ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «وقد علمتم أنى أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم ولولا هديى لحللت كما تحلون ولو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما أهديت» فحللنا وسمعنا وأطعنا متفق عليهما. فنقلهم إلى التمتع، وتأسف إذ لم يمكنه ذلك فدل على فضله.

ولأن التمتع منصوص عليه فى كتاب الله تعالى بقوله: {(فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ)} (٢). دون سائر الأنساك.

ولأن المتمتع يجتمع له الحج والعمرة فى أشهر الحج مع كمالهما وكمال أفعالهما على وجه اليسر والسهولة مع زيادة نسك فكان ذلك أولى.

فأما القران (٣) فإنما يؤتى فيه بأفعال الحج وتدخل العمرة فيه.

والمفرد فإنما يأتى بالحج وحده.

وإن أعتمر بعده من التنعيم فقد اختلف فى أجزائها عن عمرة الإسلام.

وكذلك اختلف فى أجزاء عمرة القران. ولا خلاف فى أجزاء التمتع عن الحج والعمرة جميعا فكان أولى.

فأما حجتهم فإنما احتجوا بفعل النبى صلى الله عليه وسلم. والجواب عنها من أوجه:

الوجه الأول: انا نمنع أن يكون النبى صلى الله عليه وسلم محرما بغير التمتع. ولا يصح الاحتجاج بأحاديثهم لأمور:

أحدها: أن رواة أحاديثهم قد رووا أن النبى صلى الله عليه وسلم تمتع بالعمرة إلى الحج روى ذلك ابن عمر وجابر وعائشة من طرق صحاح


(١) المغنى لأبى موفق الدين أحمد بن محمد بن قدامة المقدسى على متن المقنع فى كتاب ج ٣ ص ٢٣٤، ص ٢٣٥ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٢) الآية رقم ١٩٦ من سورة البقرة.
(٣) المرجع السابق لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه للحرفى فى كتاب ج ٣ ص ٢٣٥ وما بعدها الطبعة السابقة.