للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرأيت القلة منها تسع قربتين أو قربتين وشيئا فجعل الشافعى رحمه الله تعالى الشئ نصفا احتياطا وقرب الحجاز كبار تسع كل قربة مائة رطل فصار الجميع خمسمائة رطل وهل ذلك تحديد أو تقريب منه وجهان.

احدهما أنه تقريب فان نقص منه رطل أو رطلان لم يؤثر لأن الشئ يستعمل فيما دون النصف فى العادة والثانى أنه تحديد فلو نقص منه ما نقص نجس لأنه لما وجب أن يجعل الشئ نصفا نجس لأنه لما وجب أن يجعل الشئ نصفا احتياطا وجب استيفاؤه فان كانت النجاسة مما لا يدركها الطرف ففيه ثلاث طرق من أصحابنا من قال لا حكم لها لأنها لا يمكن الاحتراز منها فهى كغبار السرجين.

ومنهم من قال حكمها حكم سائر النجاسات لأنها نجاسة متيقنة فهى كالنجاسة التى يدركها الطرف ومنهم من قال فيه قولان احدهما لا حكم لها والثانى لها حكم ووجههما ما ذكرناه وان كانت النجاسة ميتة لا نفس لها سائلة كالذباب والزنبور وما أشبههما ففيه قولان.

احدهما أنها كغيرها من الميتات لأنه حيوان لا يؤكل بعد موته لا لحرمته فهو كالحيوان الذى له نفس سائلة والثانى أنه لا يفسد الماء لما روى أن النبى صلي الله عليه وسلّم قال اذا وقع الذباب فى اناء أحدكم فاملقوه فان فى أحد جناحيه داء وفى الآخر دواء وقد يكون الطعام حارا فيموت بالمقل فيه فلو كان يفسده لما أمر بمقله ليكون شفاء لنا اذا أكلناه فان كثر من ذلك ما غير الماء ففيه وجهان.

احدهما أنه ينجس لأنه ماء تغير بالنجاسة والثانى لا ينجس لأن ما لا ينجس الماء اذا وقع فيه وهو دون القلتين لم ينجسه وان تغير به كالسمك والجراد (١).

وان (٢) كان الماء جاريا وفيه نجاسة جارية كالميتة والجرية المتغيرة فالماء الذى قبلها طاهر لأنه لم يصل الى النجاسة فهو كالماء الذى يصب على النجاسة من ابريق والذى بعدها طاهر أيضا لأنه لم تصل اليه النجاسة وأما ما يحيط‍ بالنجاسة من فوقها وتحتها ويمينها وشمالها فان كان قلتين ولم يتغير فهو طاهر وان كان دونهما فهو نجس.

قال أبو العباس بن القاضى رحمه الله تعالى فيه قول آخر قاله فى القديم أنه لا ينجس الماء الجارى الا بالتغبر لأنه ماء ورد على النجاسة فلم ينجس من غير تغير كالماء المزال به النجاسة وان كانت النجاسة واقفة والماء يجرى عليها فان ما قبلها وما بعدها طاهر وما يجرى عليها ان كان قلتين فهو طاهر وان كان دونهما فهو نجس وكذلك كل ما يجرى عليها بعدها فهو نجس ولا يطهر شئ من ذلك حتى يركد فى موضع ويبلغ قلتين وقال أبو اسحق وأبو العباس القاضى والقاضى أبو حامد ما لم تصل الى الجيفة فهو طاهر والماء الذى بعد الجيفة يجوز أن يتوضأ منه اذا كان بينه وبين الجيفة قلتان والأول أصح لأن لكل جرية حكم نفسها فلا يعتبر فيه القلتان.

وان كان بعض الماء جاريا وبعضه راكدا بأن يكون فى النهر موضع منخفض يركد فيه الماء والماء يجرى بجنبه والراكد زائل عن سمت الجرى فوقع فى الراكد نجاسة وهو دون القلتين فان كان مع الجرية التى يحاذيها يبلغ قلتين فهو طاهر وان لم يبلغ قلتين فهو نجس وتنجس كل جرية التى بجنبها الى أن يجتمع فى موضع قلتان فيطهر هذا وذكر صاحب كتاب المهذب ان


(١) المهذب للامام أبى اسحاق ابراهيم على بن يوسف الفيروزابادى فى كتاب على هامش النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب ج‍ ١ ص ٥، ص ٦ طبع بمطابع عيسى اللبابى الحلبى وشركاه بمصر دار احياء المكتبة العربية.
(٢) المهذب للامام أبى اسحاق ابراهيم على بن يوسف الفيروزابادى ج‍ ١ ص ٧، ص ٨ طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر دار احياء المكتبة العربية