للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والنكرة فى سياق النفى تعم. فلا يجوز التيمم مع وجوده.

وأيضا ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث أبى ذر رضى الله تعالى عنه (التراب كافيك ما لم تجد الماء) وهذا واجد للماء (١).

واذا خالط‍ الماء ما لا يمكن التحرز منه كالطحلب وسائر ما ينبت فى الماء وكذلك ورق الشجر الذى يسقط‍ فى الماء أو تحمل الريح فتلقيه فيه وما تجذبه السيول من العيدان والتبن ونحوه فتلقيه فى الماء. وما هو فى قرار الماء كالكبريت والقار وغيرهما اذا جرى عليه الماء فتغير به. أو كان فى الأرض التى يقف الماء فيها وهذا كله يعنى عنه لأنه يشق التحرز منه.

فان أخذ شئ من ذلك فألقى فى الماء وغيره كان حكمه حكم ما يمكن التحرز منه من الزعفران ونحوه لأن الاحتراز منه ممكن.

واذا خالط‍ الماء ما يوافق فى صفتيه الطهارة والطهورية كالتراب اذا غير الماء لا يمنع الطهورية لأنه طاهر ومطهر كالماء أما ان ثخن بحيث لا يجرى على الأعضاء لم تجز الطهارة به لأنه طين وليس بماء. ولا فرق فى التراب بين وقوعه فى الماء عن قصد أو عن غير قصد وكذلك الملح الذى أصله كالبحرى والملح الذى ينعقد من الماء الذى يرسل على السبخة فيصير ملحا. فلا يسلب الطهورية لأن أصله الماء.

فهو كالجليد والثلج وان كان معدنيا ليس أصله الماء فهو كالزعفران وغيره. وما يتغير به الماء بمجاورته من غير مخالطة كالدهن على اختلاف أنواعه والطاهرات الصلبة. كالعود والكافور والعنبر اذا لم يهلك فى الماء ولم يمنع فيه لا يخرج به عن اطلاقه لأنه تغيير مجاورة. اشبه ما لو تروح الماء بريح شئ على جانبه ولا نعلم فى هذه الأنواع خلافا وفى معنى المتغير بالدهن ما تغير بالقطران والزفت والشمع لأن فى ذلك دهنية يتغير بها الماء تغير مجاورة فلا يمنع كالدهن (٢). واذا وقع فى الماء مائع لا يغيره لموافقة صفته صفته. وهذا يبعد اذ الظاهر أنه لا بد أن ينفرد عنه بصفة فيعتبر التغير بظهور تلك الصفة فان اتفق ذلك اعتبرناه بغيره مما له صفة تظهر على الماء. كالحر اذا جنى عليه دون الموضحة قومناه كأنه عبد. وان شك فى كونه يمنع بنى على يقين الطهورية لأنها الأصل فلا يزول عنها بالشك وان كان الواقع فى الماء ماء مستعملا عفى عن يسيره قال اسحاق بن منصور قلت لأحمد الرجل يتوضأ فينتضح من وضوئه فى انائه؟ قال لا بأس به قال ابراهيم النخعى لا بد من ذلك روى نحوه عن الحسن وهذا ظاهر حال النبى صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه لأنهم كانوا يتوضأون من الأقداح والأتوار ويغتسلون من الجفان. وقد روى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يغتسل هو وميمونة رحمها الله تعالى من جفنة فيها أثر العجين. واغتسل هو وعائشة رضى الله تعالى عنها من اناء واحد تختلف أيديهما فيه كل واحد يقول لصاحبه أبق لى ومثل هذا لا يسلم من رشاش يقع فى الماء. وان كثر الواقع وتفاحش منع على احدى الروايتين (٣). وان كان الماء قلتين وهو خمس قرب فوقعت فيه نجاسة فلم يوجد لها طعم ولا لون ولا رائحة فهو طاهر. فقد دلت هذه المسألة بصريحها على أن ما بلغ القلتين فلم يتغير بما وقع فيه لا ينجس. وبمفهومها على أن ما تغير بالنجاسة نجس وان كثر وأن ما دون


(١) المغنى لموفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد ابن قدامة ج‍ ١ ص ١٠ وما بعدها
(٢) المغنى لابن قدامة ج ١ ص ١٠ وما بعدها الطبعة
(٣) المرجع السابق ج ١ ص ٢٢، ص ٢٣، ص ٢٤، ص ٢٥ الطبعة السابقة