للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذمة بموافقة أمر الله فيه، ولا تخلص إذا لم تقع هذه الموافقة.

ومن جهة أخرى: إن الوديعة قد ترد على السفيه والمحجور عليه فلا يكون هذا الرد مجزئا، وقد ترد على المتصرف فيكون هذا الرد مجزئا وإذن فلها وجهان فتوصف بالإجزاء وعدمه، فالتمثيل بها غير دقيق.

ونقل البدخشى فى شرحه على المنهاج للبيضاوى بعد الكلام على المعرفة بالله تعالى ورد الوديعة: أن الفنرى يرى أن الموصوف بالإجزاء وعدمه إنما هو العبادات المحتملة للوجهين دون ما عداها، ويؤيد ذلك بأن بيع النقدين مثلا يحتمل الوجهين، أحدهما أن يكون مستجمعا للشرائط‍ من التساوى والحلول والتقابض فى المجلس، وثانيهما أن يكون قد اختل فيه شئ من الشروط‍، ففيه احتمال الوجهين، ومع ذلك لا يوصف بالإجزاء وعدمه.

هذا هو رأى الفنرى، وقد علق عليه البدخشى بقوله: كأنه أراد بذلك أن رد الوديعة من المعاملات فلا يوصف بهما وإن اشتمل على الوجهين، وأقول: الأظهر أن استعمالهما - أى الإجزاء وعدمه - إنما هو فى تفريغ الذمة عن الأمور المتقررة فيها يشهد بذلك التعريفات المذكورة وموارد استعمال الفقهاء ورد الوديعة منها وبهذا بتبين اختلافهم حول هذا المثال ووجهة كل منهم فيه (١).

ويوصف بالإجزاء وعدمه كل من الفرض والواجب والمندوب أداء أو قضاء أو إعادة وفى ذلك يقول صاحب المنهاج: ويوصف بالإجزاء الأداء المصطلح عليه للعبادة أو قضاؤها أو إعادتها سواء أكان ذلك فرضا أو نفلا (٢).

وفى التحرير والتيسير أن مقتضى كلام الفقهاء أن الإجزاء لا يختص بالواجب، ودليل ذلك حديث الأضحية، عن أبى بردة أنه ذبح شاة قبل الصلاة فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال: «لا تجزئ عنك».

فقال: عندى جذعة من المعز.

فقال النبى عليه الصلاة والسلام:

«تجزئ عنك ولا تجزئ عن أحد بعدك» رواه أبو حنيفة.

وهو بمعناه فى الصحيحين وغيرهما، وهو بناء على أن الأضحية سنة كما هو قول الجمهور، وصاحبى الإمام، فدل ذلك على أن الإجزاء وعدمه يستعملان فيما هو سنة كما يستعملان فيما هو واجب أو فرض (٣).

وفى كلام الفقهاء ما يؤيد ذلك، ومن أمثلة ذلك فى المندوب أن الحنفية يقولون أن الأضحية واجبة عند أبى حنيفة، سنة عند صاحبيه (٤).


(١) راجع شرح الإسنوى على المنهاج ج‍ ١ ص ٦٣ وشرح البدخشى عليه أيضا ج‍ ١ ص ٦٢ وشرح التحرير ج‍ ٢ ص ٢٣٥.
(٢) شرح الإسنوى ج‍ ١ ص ٦٠.
(٣) التحرير والتيسير ج ٢ ص ٢٣٥.
(٤) الاختيار لابن مودود الموصلى ج‍ ٢ ص ١٤٩ طبع الحلبى بمصر سنة ١٣٥٥ هـ‍.