للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معتكفه ليلا ولا نهارا الا لحاجة الانسان وكذا فى الخروج فى الجمعة ضرورة لأنها فرض عين ولا يمكن اقامتها فى كل مسجد فيحتاج الى الخروج اليها كما يحتاج الى الخروج لحاجة الانسان فلم يكن الخروج اليها مبطلا لاعتكافه. ولأن اقامة الجمعة فرض لقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ} (١)» والأمر بالسعى الى الجمعة أمر بالخروج من المعتكف ولو كان الخروج الى الجمعة مبطلا للاعتكاف لما أمر به لأنه يكون أمرا بابطال الاعتكاف وأنه حرام ولأن الجمعة لما كانت فرضا حقا لله تعالى عليه والاعتكاف قربة ليست هى عليه فمتى أوجبه على نفسه بالنذر لم يصح نذره فى ابطال ما هو حق لله تعالى عليه بل كان نذره عدما فى ابطال لهذا الحق ولأن الاعتكاف دون الجمعة فلا يؤذن بترك الجمعة لأجله وأما وقت الخروج الى الجمعة ومقدار ما يكون فى المسجد الجامع.

فذكر الكرخى رحمه الله تعالى وقال ينبغى أن يخرج الى الجمعة عند الآذان فيكون فى المسجد مقدار ما يصلى قبلها أربعا وبعدها أربعا أو ستا وروى الحسن بن زياد عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى مقدار ما يصلى قبلها أربعا وبعدها وهو على الاختلاف فى سنة الجمعة بعدها أنها أربع فى قول أبى حنيفة وعندهما ستة على ما ذكرنا فى كتاب الصلاة.

وقال محمد رحمه الله تعالى اذا كان منزله بعيدا يخرج حين يرى أنه يبلغ المسجد عند النداء وهذا أمر يختلف بقرب المسجد وبعده فيخرج فى أى وقت يرى أنه يدرك الصلاة والخطبة ويصلى قبل الخطبة أربع ركعات لأن اباحة الخروج الى الجمعة اباحة لها بتوابعها وسننها من توابعها بمنزلة الأذكار المسنونة فيها ولا ينبغى أن يقيم فى المسجد الجامع بعد صلاة الجمعة الا مقدار ما يصلى بعدها أربعة أو ستا على الاختلاف ولو أقام يوما وليلة ينتقض اعتكافه لكن يكره له ذلك أما عدم الانتقاض فلأن الجامع لما صلح لابتداء الاعتكاف فلأن يصلح للبقاء أولى لأن البقاء أسهل من الابتداء وأما الكراهة فلأنه لما ابتدأ الاعتكاف فى مسجد فكأنه عينه للاعتكاف فيه فيكره له التحول عنه مع امكان الاتمام فيه ولا يخرج لعبادة مريض ولا لصلاة جنازة لأنه لا ضرورة الى الخروج لأن عيادة المريض ليست من الفرائض بل من الفضائل وصلاة الجنازة ليست بفرض عين بل فرض كفاية تسقط‍ عنه بقيام الباقين بها فلا يجوز ابطال الاعتكاف لأجلها.

وما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم من الرخصة فى عبادة المريض وصلاة الجنازة فقد قال أبو يوسف رحمه الله تعالى أن ذلك محمول عندنا على الاعتكاف الذى يتطوع به من غير ايجاب فله أن يخرج متى شاء ويجوز أن تحمل الرخصة على ما اذا كان خرج المعتكف لوجه مباح كحاجة الانسان أو للجمعة ثم عاد مريضا أو صلى على جنازة من غير أن يكون خروجه

لذلك قصدا وذلك جائز وأما المرأة اذا اعتكفت فى مسجد بيتها لا تخرج منه الى منزلها لا لحاجة لانسان لأن ذلك فى حكم المسجد لها على ما بينا. فان خرج من المسجد الذى يعتكف فيه لعذر بأن انهدم المسجد أو اخرجه المسجد مكرها أو غير السلطان فدخل مسجدا آخر غيره من ساعته لم يفسد اعتكافه استحسانا والقياس أن يفسد وجه القياس أنه وجد ضد الاعتكاف وهو الخروج الذى هو ترك الاقامة فيبطل كما لو خرج عن اختيار ووجه الاستحسان أنه خرج


(١) الآية رقم ٩ من سورة الجمعة.
(٢) بدائع الصنائع ج‍ ٢ ص ١١٤