للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو جامع فى حال الاعتكاف يفسد اعتكافه لأن الجماع من محظورات الاعتكاف لقوله تعالى:

«وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ} (١)» قيل المباشرة كفاية عن الجماع.

كذا روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنه أن ما ذكر الله عز وجل فى القرآن من المباشرة والرفث والغشيان فانما عنى به الجماع لكن الله تعالى حى كريم يكنى بما شاء دلت الآية على أن الجماع محظور فى الاعتكاف فان حظر الجماع على المعتكف ليس لمكان المسجد بل لمكان الاعتكاف وان كان ظاهر النهى عن المباشرة فى حال الاعتكاف فى المسجد بقوله عز وجل «وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ» لأن الآية الكريمة نزلت فى قوم كانوا يعتكفون فى المساجد وكانوا يخرجون يقضون حاجتهم فى الجماع ثم يغتسلون ثم يرجعون الى معتكفهم لا أنهم كانوا يجامعون فى المساجد فنهوا عن ذلك بل المساجد فى قلوبهم كانت أجل وأعظم من أن يجعلوها مكانا لوط‍ ء نسائهم فثبت أن النهى عن المباشرة فى حال الاعتكاف لأجل الاعتكاف فكان الجماع من محظورات الاعتكاف ليلا ونهارا وسواء كان عامدا أو ناسيا بخلاف الصوم فان جماع الناسى لا يفسد الصوم والنسيان لم يجعل عذرا فى باب الاعتكاف وجعل عذرا فى باب الصوم والفرق من وجهين أحدهما أن الأصل أن لا يكون عذرا لأن فعل الناسى معذور الامتناع عنه فى الجملة اذ الوقوع فيه لا يكون الا لنوع تقصير ولهذا كان النسيان جائزا لمؤاخذة عليه عندنا وانما رفعت المؤاخذة ببركة دعاء النبى صلّى الله عليه وسلّم بقوله «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا} (٢)» ولهذا لم يجعل عذرا فى باب الصلاة الا أنه جعل عذرا فى باب الصوم بالنص فيقتصر عليه (٣).

والثانى أن المحرم فى الاعتكاف عين الجماع فيستوى فيه العمد والسهو والمحرم فى باب الصوم هو الافطار لا عين الجماع أو حرم الجماع لكونه افطارا لا لكون جماعا فكانت حرمته لغيره وهو الافطار والافطار يختلف حكمه بالعمد والنسيان ولو أكل أو شرب فى النهار عامدا فسد صومه وفسد اعتكافه لفساد الصوم ولو أكل ناسيا لا يفسد اعتكافه لأنه لا يفسد صومه والأصل ان كان من محظورات الاعتكاف وهو مانع عنه لأجل الاعتكاف لا لأجل الصوم يختلف فيه العمد والسهو والنهار والليل كالجماع والخروج من المسجد (٤).

ولو باشر فأنزل فسد اعتكافه لأن المباشرة منصوص عليها فى الآية وقد قيل فى بعض وجوه التأويل أن المباشرة الجماع وما دونه ولأن المباشرة مع الانزال لا يكون فى معنى الجماع لكى يكون حراما وكذا التقبيل والمعانقة واللمس انه ان أنزل فى شئ من ذلك فسد اعتكافه والا فلا يفسد لكنه يكون حراما بخلاف الصوم. ولو نظر فأنزل لم يفسد اعتكافه لانعدام الجماع صورة ومعنى فأشبه الاحتلام.

ولا يأتى الزوج امرأته وهى معتكفة اذا كانت اعتكفت باذن زوجها لأن اعتكافها اذا كان باذن زوجها فأنه لا يملك الرجوع عنه. فلا يجوز وطؤها لما فيه من افساد عبادتها (٥).

ويفسد الاعتكاف بالردة لأن الاعتكاف قربة والكافر ليس من أهل القربة ولهذا لم ينعقد مع الكفر فلا يبقى مع الكفر أيضا. ونفس الاغماء لا يفسده بلا خلاف حتى لا ينقطع التتابع ولا يلزمه أن يستقبل الاعتكاف اذا أفاق


(١) الآية رقم ١٨٧ من سورة البقرة.
(٢) الآية رقم ٢٨٦ من سورة البقرة.
(٣) بدائع الصنائع فى الشرائع لابى بكر بن مسعود الكاسانى ج ٢ ص ١١٥، ص ١١٦
(٤) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لابى بكر بن مسعود الكاسانى ج ٢ ص ٢١٦
(٥) المرجع السابق ج ٢ ص ١١٦