للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الله تعالى: «ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} (١)» ففرض على المعتكف أن يخرج لعبادة المريض مرة واحدة. يسأل عن حاله واقفا وينصرف لأن ما زاد على هذا فليس من الفرض.

وانما هو تطويل. فهو يبطل الاعتكاف. وكذلك يخرج لشهود الجنازة فاذا صلى عليها انصرف لأنه قد أدى الفرض. وما زاد فليس فرضا.

وهو به خارج عن الاعتكاف وفرض عليه أن يخرج اذا دعى فان كان صائما بلغ الى دار الداعى ودعا وانصرف ولا يزد على ذلك. فرض عليه أن يخرج الى الجمعة بمقدار ما يدرك أول الخطبة فاذا سلم رجع. فان زاد على ذلك خرج من الاعتكاف فان خرج كما ذكرنا ثم رأى أن فى الوقت فسحة فان علم أنه ان رجع الى معتكفه ثم خرج أدرك الخطبة فعليه أن يرجع والا فليتم.

وكذلك ان كان عليه فى الرجوع حرج. لقول الله تعالى: «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (٢).

وكذلك يخرج للشهادة اذا دعى سواء قبل أو لم يقبل لأن الله تعالى أمر الشهداء بأن لا يأبوا اذا دعوا.

ولم يشترط‍ من يقبل ممن لا يقبل. وما كان ربك نسيا. فاذا أداهما رجع الى معتكفه فان تردد لغير ضرورة بطل اعتكافه وهو كله قول أبى سليمان وأصحابنا وروينا من طريق سعيد ابن منصور عن عاصم بن حمزة قال: قال على ابن أبى طالب: اذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة وليحضر الجنازة وليعد المريض وليأت أصله بأمرهم بحاجته وهو قائم (٣).

ولا يبطل الاعتكاف شئ الا خروجه عن المسجد لغير حاجة عامدا ذاكرا. لأنه قد فارق العكوف وتركه. وبمباشرة المرأة فى غير الترجيل لقول الله تعالى: «وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ} (٤). وتعمد معصية الله تعالى: أى معصية كانت. لأن العكوف الذى ندب الله تعالى اليه هو الذى لا يكون على معصية ولا شك عند أحد من أهل الاسلام فى أن الله تعالى حرم العكوف على المعصية فمن عكف فى المسجد على معصية فقد ترك العكوف على الطاعة فيبطل عكوفه (٥).

ومن عصى ناسيا أو خرج ناسيا أو مكرها أو باشر أو جامع ناسيا أو مكرها. فالاعتكاف تام لا يكدح كل ذلك فيه شيئا. لأنه لم يعمد ابطال اعتكافه وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (٦).

ويؤذن فى المئذنة ان كان بابها فى المسجد أو فى صحته ويعمد على ظهر المسجد لأن كل ذلك من المسجد. فان كان باب المئذنة خارج المسجد بطل اعتكافه اذا تعمد ذلك، واذا حاضت المعتكفة أقامت فى المسجد كما هى تذكر الله تعالى وكذلك اذا ولدت فانها ان اضطرت الى الخروج خرجت ثم رجعت اذا قدرت لما ذكر أن الحائض تدخل المسجد. ولا يجوز منعها منه ان لم يأت بالمنع لها منه نص ولا اجماع (٧).

وهو قول أبى سليمان.


(١) الآية رقم ٩١ من سورة التوبة.
(٢) الآية رقم ٧٨ من سورة الحج
(٣) المحلى لأبن حزم الظاهرى ج ٥ ص ١٨٨ مسألة رقم ٦٢٨
(٤) الآية رقم ١٨٧ من سورة البقرة
(٥) المحلى لابن حزم الظاهرى ج ٥ ص ١٩٢ مسألة رقم ٦٣٠
(٦) المرجع السابق ج ٥ ص ١٩٢، ص ١٩٣ مسألة رقم ٦٣١
(٧) المرجع السابق ج ٥ ص ١٩٢، ص ١٩٣ مسألة رقم ٦٣١