الحجر إنما يقع من القاضى وحينئذ فلا بد من ثبوت الديون عنده. وتثبت الديون بالبينة أو باعتراف المفلس لها.
الثالث: أن تكون الديون حالة غير مؤجلة، لأنها اذا كانت مؤجلة فلا وجه للحجر عليه لعدم استحقاق المطالبة وربما يجد الوفاء عند توجه المطالبة فلا وجه لتعجيل العقوبة. ولو كان بعض الديون حالا والباقى مؤجلا فإن وفت أمواله بالديون الحالة فقط دون المؤجلة لم يحجر عليه لعدم اعتبار الديون المؤجلة وإن لم تف أمواله بالديون الحالة وجب الحجر إن طلب أصحابها الحجر. وكما لا يحجر على المفلس بالديون المؤجلة ابتداء فكذلك لا يدام الحجر عليه لاصحابها. (الرابع) أن تكون أموال المفلس أقل من ديونه التى يجب عليه قضاؤها - وإن قل التفاوت - لأنها إن كانت زائدة أو مساوية لديونه فلا حجر عليه اجماعا. بل يكلف قضاء الديون فإن امتنع تخير القاضى بين حبسه الى أن يقضى الدين بنفسه، وبين أن يقضى عنه من ماله ولو ببيع ما خالف جنس الدين. ولا فرق فى ذلك بين من ظهرت عليه أمارات الافلاس مثل أن تكون نفقته من رأس ماله أو يكون ما فى يده من مال بازاء دينه ولا وجه لنفقته الا مما فى يده. وبين من لم تظهر عليه أمارات ذلك كمن كان كسوبا ينفق من كسبه وربح رأس ماله فلا يحجر عليه أيضا وإن طلب ذلك الدائنون. بل يجرى عليه ما سبق ذكره من الخيار بين حبسه الى إن يقضى الدين وبين أن يقضى عنه من ماله. ويقوم القاضى أعيان مال المفلس الى أثمانها عليه، وتحتسب من أمواله وإن كان لاصحابها الرجوع فيها .. (الخامس) أن يطلب الدائنون كلهم أو بعضهم - من القاضى أن يحجر عليه لأنه ليس للقاضى أن يتولى ذلك تبرعا منه بدون طلب الدائنين لأن ذلك حق لهم وهم ناظرون أنفسهم لا ولاية للقاضى عليهم نعم لو كانت الديون لمن للقاضى عليه ولاية كالمجانين والاطفال والمحجور عليهم لسفه وكان وليهم القاضى فإنه يكون له أن يحجر على من أفلس بدينهم بدون طلب منهم لأنه هو الدائن فى الحقيقة فله التماس ذلك من نفسه وفعله. واذا طلب بعض الدائنين الحجر على المديون دون البعض فلا يحجر عليه القاضى الا اذا كان ماله لا يفى بديون من طلب ذلك منهم لأن دين غير الطالب بالنسبة الى الحجر بمنزلة المعدوم فليس للقاضى الحجر لاجله فاذا حجر القاضى على المفلس لاجل البعض الطالبين لم يختص الحجر بهم بل يعم أثره جميع الدائنين بلا فرق بين طلب ومن لم يطلب لأن الجميع مستحقون للمطالبة كما أن ديونهم جميعا ثابتة فلا يختص بأمواله من انفرد بطلب الحجر عليه. وقرب صاحب التذكرة جواز حجر القاضى عليه بطلب البعض وإن كانت أمواله تفى بديونهم دون غيرهم ولا ينتظر طلب الباقين لئلا يضيع على الطالب ماله. ولو حجر القاضى على المفلس لظهور افلاسه تبرعا منه بدون طلب من الدائنين أو بطلب المفلس نفسه لم ينفذ حجره على المشهور لأن الحجر عقوبة فلا يصار اليه إلا بدليل صالح، وإنما يتحقق ذلك بالتماس الدائنين وقال صاحب التذكرة: الاقرب عندى جواز الحجر على المفلس اذا طلب ذلك لأن فى الحجر مصلحته كما أن فيه مصلحة الدائنين، وكما أجبنا الدائنين لذلك حفظا لحقوقهم كذا يجب أن يجاب المفلس تحصيلا لحقه وهو حفظ أموال الدائنين ليسلم من المطالبة والاثم، وقد روى أن حجر النبى صلّى الله عليه وسلم على معاذ كان بالتماس منه دون طلب من دائنيه. ويستحب للقاضى اظهار الحجر على المفلس واعلانه والاشهاد عليه لئلا يتضرر من يعامله.
وهذا كله فى الحجر على المفلس اذا كان الدائنون حاضرين. أما اذا كانوا غائبين فلا ولاية للقاضى فى الحجر لهم بسبب افلاس مديونهم لأن القاضى ليس من شأنه أن يستوفى ما للغائبين فى الذمم بل يحفظ