الحبس ويحسبه القاضى ولو ادعى الافلاس فى كل دين لا يقبل منه مجرد دعوى الافلاس به. وقد سبق ذكر هذه الديون فى طرق اثبات الافلاس» ولا يحبسه فيما سوى ذلك من الديون أن ادعى الافلاس. ويستثنى من ذلك دين نفقة زوجته وولده الصغير الفقير فإنه يحبس به إن طلبت حبسه وكانت النفقة مقضيا بها أو متراضى عليها وعن مدة ماضيه وكذلك نفقة القريب إذا كانت مستدانة بأمر القاضى. وذلك لظلمه بالامتناع عن ذلك. ولا يحبس أصل وان علا فى دين فرعه لأن الحبس نوع عقوبة فلا يستحقه الولد على والده وسواء كان الأصل موسرا أم معسرا. إلا إذا امتنع من الانفاق عليه على ما ذكر ويحبس المسلم بدين الذمى والمستأمن وعكسه، وإذا حبس الكفيل يحبس المكفول عنه معه ولا يحبس الصغير المحجور بدين الاستهلاك بل يحبس والده أو وصية حتى يوفى الدين أو يظهر اعسار الصغير وكذلك لا يحبس المديون فى دين مؤجل لأنه لا يطالب به قبل حلول الأجل.
ومدة حبس القاضى لمن يدعى الافلاس بدينه غير مقدرة بزمن معين. بل يرجع أمر تقديرها إلى رأى القاضى واجتهاده على الأرجح، إذ المقصود بالحبس أن يضجر قلب المديون فيقضى الدين إن كان له مال أو من أى طريق وهذا يختلف باختلاف أحوال الأشخاص فإذا حبسه القاضى هذه المدة سأل عنه على التفصيل السابق فى طرق اثبات الافلاس. فإن لم يظهر له مال أطلقه من الحبس ولو بدون رضا الدائن، ولا يطالبه بكفيل إلا فى ثلاث: مال اليتيم، والوقف، وإذا كان الدائن غائبا. وهذا إذا كان حاله مشكلا يسارا واعسارا. وأما غيره فقال أبو حنيفة: إذا كان المديون معروفا بالعسرة لم أحبسه أى ولو كان الدين ثمنا أو قرضا كما هو ظاهر الاطلاق وفى الفتاوى الخانية: ولو كان المديون ظاهر الفقر سأل القاضى عنه عاجلا وقبل بينته على افلاسه وخلى سبيله. وكذلك يخلى سبيل المفلس إذا أقام البينة بعد حبسه أنه لا مال له، لأنه استحق النظرة إلى المسيرة، قال تعالى:«وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ»(١) فتكون حبسه بعد ذلك ظلما. وإذا أطلق القاضى المفلس بعد ثبوت افلاسه والحكم به فلا يحبسه ثانيا لا للدين الأول ولا لغيره حتى يثبت الدائن أنه موسر. وفيما عدا هذا لا يجوز اطلاق المفلس من الحبس إلا إذا رضى بذلك كل الدائنين الذين طلبوا حبسه بسبب افلاسه بديونهم أو إذا أحضر المحبوس الدين للقاضى فى غيبة الدائن. ويحبس المديون فى موضع متوحش ليس به فراش، ولا يدخل عليه أحد ليستأنس به إلا أقاربه وجيرانه، لأن اجتماعه بهؤلاء واستشارتهم قد يفضى إلى المقصود من الحبس وهو ايفاد الدين ولا يمكثون عنده طويلا. ولا يخرج من حبسه لصلاة جماعة أو جمعة أو عيد، ولا لحج ولو فرضا، ولا لعيادة مريض ولا لحضور جنازة ولو كان بكفيل. والمفتى به أنه يخرج بكفيل لجنازة أصوله وفروعه دون غيرهم. وإذا مرض فى حبسه ولم يجد من يمرضه ويخدمه أخرج من السجن بكفيل وهذا إذا كان الغالب عليه الهلاك وعليه الفتوى لأنه قد يموت بسبب عدم الممرض ولا يجوز أن يكون الدين مفضيا للتسبب فى هلاكه فإن وجد من يخدمه فى حبسه أو لم يجد من يكفله لا يطلقه من حبسه ولا يخرج من السجن ليتكسب كما لا يمكن المحترف من الاشتغال بحرفته فى الحبس على الصحيح من المذهب لأن الحبس مشروع ليضجر قلبه فيقضى دينه، ومتى تمكن من الاكتساب لا يضجر فيكون السجن له بمنزلة الحانوت. وقال البعض: لا يمنع من الاكتساب فى السجن لأن فيه نظر للجانبين، لجانب المديون لأنه ينفق على نفسه وعياله ولجانب صاحب الدين لأنه إذا فضل منه شئ بعد ذلك صرف فى قضاء دينه. ولا يضرب المفلس فى حبسه ولا يغل ولا يقيد ولا يخوف ولا يجرد من ثيابه ولا يؤاجر ولا يقام بين يدى صاحب الحق اهانة له. ولا يضيق القاضى على المحبوس لأجل الدين فى مأكوله ومشروبه وملبوسة كما يمنعه من الاسراف فى ذلك، ويقدر له الوسط مع الاقتصاد. وإذا أطلق القاضى