للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما يقتضى ان الإقالة لا تصح فى غيبة الآخر على الروايتين لأنها فى حكم العقود لتوقفها على رضى المتبايعين بخلاف الرد بالعيب والفسخ بالخيار، ولا تصح الإقالة بعد النداء للجمعة على القول بأنها بيع وتصح على القول بأنها فسخ ذكره القاضى وابن عقيل وترد الإقالة بالعيب على القول بأنها بيع أما على القول بأنها فسخ فيحتمل أن لا يرد به لأن الاصحاب قالوا: الفسخ لا يفسخ ويحتمل أن يرد به كما جوزوا فسخ الإقالة والرد بالعيب لاحد الشفيعين وافتى الشيخ تقى الدين بفسخ الخلع بالعيب فى عوضه، ويشترط‍ أن تكون الإقالة بالثمن الاول لا بأزيد منه ولا بأنقص فقد جاء فى كشاف القناع: ولا تصح الإقالة بزيادة على الثمن المعقود به أو بأنقص منه أو بغير جنسه لأن مقتضى الإقالة رد الأمر الى ما كان عليه والملك باق للمشترى لأنه شرط‍ التفاضل فيما يعتبر فيه التماثل فبطل كبيع درهم بدرهمين وإن طلب أحدهما الإقالة وأبى الاخر واستأنفا بيعا جاز بزيادة عن الثمن الأول ونقص عن الثمن الأول وبغير جنسه الا أنه فى قواعد ابن رجب (١) اعتبر هذا الشرط‍ على القول بأنها فسخ لأن الفسخ رفع للعقد فتبين إذن أن العوضين على وجههما كالرد بالعيب وغيره ثم قال: أما على القول بأنها بيع فوجهان حكاهما أبو الخطاب ومن بعده:

أحدهما يصح وقاله القاضى فى كتاب الروايتين كسائر البيوع والثانى: لا يصح وهو المذهب عند القاضى فى خلافه وصححه السامرى لأن مقتضى الإقالة رد الأمر إلى ما كان عليه ورجوع كل واحد إلى ماله فلم يجز بأكثر من الثمن وإن كانت بيعا فبيع التولية وهذا ظاهر ما نقله ابن منصور عن احمد فى رجل اشترى سلعة فندم فقال أقلنى ولك كذا وكذا قال أحمد أكره أن تكون ترجع إليه سلعته ومعها فضل إلا أن يكون تسعرت السوق أو تاركا البيع فباعه بيعا مبتدأ فلا بأس به ولكن أن جاء إلى نفس البيع فقال: أمكنى فيها ولك كذا وكذا فهذا مكروه فقد كره الإقالة فى البيع الأول بزيادة بكل حال ولم يجوز الزيادة إلا إذا أقر البائع بحاله وتبايعاه بيعا مستأنفا إذا تسعرت السوق جازت الإقالة بنقص فى مقابلة نقص السعر وكذا لو تغيرت صفة السلعة ونص فى رواية أحمد بن القاسم وحنبل على الكراهة بكل حال سواء كان البيع نقدا أو تسيئة بعد نقل الثمن أو قبله معللا كشبهة مسائل العينة لأنه ترجع السلعة الى صاحبها ويبقى له على المشترى فضل درهم ولكن محذور الربا هنا بعيد جدا لأنه لا يقصد أحد أن يدفع عشرة ثم يأخذ نقدا خمسة مثلا لا سيما والدافع هنا هو الطالب لذلك الراغب ونقل عنه ما يدل على جوازه قال فى رواية الأثرم:

وسأله عن بيع العربون فذكر له حديث عمر فقيل له: تذهب إليه؟ فقال: أى شئ اقول وهذا عن عمر ثم قال: أليس كان ابن سيرين لا يرى بأسا إن يرد السلعة إلى صاحبها إلا إذا ذكرهما ومعهما شئ ثم قال: هذا مثله فقد جعل بيع العربون من جنس الإقالة بربح، فأما البيع المبتدأ فيجوز بأكثر من ثمنه كما نقله عنه ابن منصور وكذلك نقله عنه حرب فيمن باع ثوبا بعشرين وقبضها ثم احتاج الى الثوب فاشتراه باثنين وعشرين فقدا قال لا بأس به ولا يجوز نسيئة ولم ير بأسا أن يشتريه بمثل الثمن نقدا ونسيئة ونقل عنه أبو داود فيمن باع ثوبا بنقد ثم احتاج إلى ذلك الثوب يشتريه نسيئة؟ قال إذا لم يرد بذلك الحيلة كأنه لم يرد به بأسا وصرح أبو الحطاب وطائفة من الأصحاب بأن كل بيع وإن كان ينفذ لا يجوز لبائعه شراؤه بدون ثمنه قبل نقد الثمن ويجوز بعده وكذلك نقل ابن منصور عن احمد أنه بعد القبض ببيعه كيف شاء واختلف فى صحة الاقالة بعد تلف العين قال ابن رجب فى قواعده (٢): هل تصح الإقالة بعد تلف العين؟ قال القاضى برة لا تصح لأنها عقد يقف على الرضا من الجانبين فهى كالبيع بخلاف الرد بالعيب ثم قال فى موضع


(١) انظر كتاب القواعد لابن رجب ج ١ ص ٣٨٠ الطبعة السابقة.
(٢) انظر كتاب القواعد ج ١ ص ١٠٩