للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاّ بِالْحَقِّ} (١)» «وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ} (٢)».

قالوا: هذه الآيات وأمثالها من كل ما فيه نهى للأمة عن القول الباطل، والفعل الباطل، تدل على تصور ذلك منهم، ومن يتصور منه المعصية لا يكون قوله ولا فعله موجبا للقطع.

ويرد الآمدى على ذلك فيقول: «لا نسلم أن النهى فى هذه الآيات راجع إلى اجتماع الأمة على ما نهو عنه، بل هو راجع إلى كل واحد على انفراد، ولا يلزم من جواز المعصية على كل واحد جوازها على الجملة، أى على المجموع، سلمنا أن النهى لجملة الأمة عن الاجتماع على المعصية، ولكن غاية ذلك جواز وقوعها منهم عقلا، ولا يلزم من الجواز الوقوع، ولهذا فإن النبى عليه السلام قد نهى عن أن يكون من الجاهلين بقوله تعالى: «فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ ٣».

وقال تعالى لنبيه: «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ٤»، واذ ورد ذلك فى معرض النهى مع العلم بكونه معصوما من ذلك، وأيضا فإنا نعلم أن كل أحد منهى عن الزنا وشرب الخمر وقتل النفس بغير الحق إلى غير ذلك من المعاصى، ومع ذلك فإن من مات ولم يصدر عنه بعض المعاصى، نعلم أن الله قد علم منه أنه لا يأتى بتلك المعصية فكان معصوما عنها ضرورة تعلق علم الله بأنه لا يأتى بها، ومع ذلك فهو منهى عنها (٥)».

وقالوا: وأما السنة فإن النبى عليه الصلاة والسلام أمر معاذا لما سأله عن الأدلة المعمول بها، على إهماله لذكر الإجماع، ولو كان الإجماع دليلا، لما ساغ ذلك مع الحاجة إليه.

وأيضا فإنه قد ورد عن النبى عليه الصلاة والسلام ما يدل على جواز خلو العصر عمن تقوم الحجة بقوله، فمن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «بدأ الإسلام غريبا، وسيعود كما بدأ».

وأيضا قوله: «لا ترجعوا بعدى كفارا» نهى الكل عن الكفر وهو دليل جواز وقوعه منهم.

وقوله: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ولكن يقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا».

وقوله: «تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنها أول ما ينسى».

وقوله عليه الصلاة والسلام: «لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة (٦)»


(١) سورة الإسراء: ٣٣.
(٢) سورة الأعراف: ٣٣.
(٣) سورة الأنعام: ٣٥.
(٤) سورة الزمر: ٦٥.
(٥) ص ٣٠٠ ج‍ ١ من الأحكام للآمدى.
(٦) جاء فى لسان العرب: «القذة سن السهم»، وفى الحديث «لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة»، يعنى كما تقدر كل واحدة منهن - أى كل قذة من القذذ - على صاحبتها وتقطع» اهـ‍، والحذو: قطع الشئ على مثال شئ آخر.