للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المكيل والموزون لا نعلم فيه خلافا قال ابن المنذر رحمه الله تعالى أجمع كل من تحفظ‍ عنه من أهل العلم على أن من أسلف سلفا مما يجوز ان يسلف فرد عليه مثله أن ذلك جائز وان للمسلف ان يأخذ ذلك ولأن المكيل والموزون يضمن فى الغصب والاتلاف بمثله فكذا ها هنا فأما غير المكيل والموزون ففيه وجهان.

أحدهما: يجب أن ترد قيمته يوم القرض لأنه لا مثل له فيضمنه بقيمته كحال الاتلاف والغصب.

والوجه الثانى: يجب أن يرد مثله، لأن النبى صلّى الله عليه وسلّم استسلف من رجل بكرا فرد مثله، ويخالف الاتلاف فانه لا مسامحة فيه فوجبت القيمة لأنها أحصر والقرض أسهل ولهذا جازت النسيئة فيه فيما فيه الربا ويعتبر مثل صفاته تقريبا فان حقيقة المثل انما توجد فى المكيل والموزون فان تعذر المثل فعليه قيمته يوم تعذر المثل لان القيمة ثبتت فى ذمته حينئذ واذا قلنا:

تجب القيمة وجبت حين القرض لانها حينئذ ثبتت فى ذمته (١). وان اقرضه مطلقا من غير شرط‍ فقضاه خيرا منه فى القدر أو فى الصفة، أو قضاه دونه برضاهما جاز وكذلك ان كتب له بها سفتجة او قضاه فى بلد اخر جاز، ورخص فى ذلك ابن عمر وسعيد بن المسيب والحسن والنخعى والشعبى والزهرى ومكحول وقتادة رضى الله تعالى عنهم. وقال ابو الخطاب رحمه الله تعالى: ان قضاه خيرا منه او زاده زيادة بعد الوفاء من غير مواطأة فعلى روايتين. وروى عن ابى بن كعب وابن عباس وابن عمر رضى الله تعالى عنهم انه يأخذ مثل قرضه ولا يأخذ فضلا لانه اذا اخذ فضلا كان قرضا جر منفعة. ويدل لنا ما روى من أن النبى صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا فرد خيرا منه، وقال خيركم أحسنكم قضاء ..

متفق عليه ولانه لم يجعل تلك الزيادة عوضا فى القرض ولا وسيلة اليه ولا الى استيفاء دينه فحلت كما لو لم يكن قرض. وقال ابن ابى موسى رحمه الله تعالى: اذا زاده بعد الوفاء فعاد المستقرض بعد ذلك يلتمس منه قرضا ثانيا ففعل لم يأخذ منه الا مثل ما اعطاه فان أخذ زيادة أو أجود مما اعطاه كان حراما، قولا واحدا، وان كان الرجل معروفا بحسن القضاء لم يكره اقراضه. وقال القاضى: فيه وجه آخر وهو أنه يكره لانه يطمع فى حسن عادته وهذا غير صحيح فان النبى صلّى الله عليه وسلم كان معروفا بحسن القضاء فهل يسوغ لاحد ان يقول ان اقراضه صلّى الله عليه وسلم مكروه؟ ولان المعروف بحسن القضاء خير الناس وأفضلهم، وهو اولى الناس بقضاء حاجته واجابة مسألته وتفريج كربته، فلا يجوز أن يكون ذلك مكروها وانما يمنع من الزيادة المشروطة ولو اقرضه مكسرة فجاءه مكانها بصحاح بغير شرط‍ جازوان جاءه بصحاح أقل منها فأخذها بجميع حقه لم يجز قولا واحدا لان ذلك معاوضة للنقد بأقل منه فكان ربا (٢) ولو اقترض من رجل نصف دينار فدفع اليه دينارا صحيحا وقال: نصفه قضاء ونصفه وديعة عندك أو سلما فى شئ صح وان امتنع المقرض من قبوله فله ذلك لان عليه فى الشركة ضررا ولو اشترى بالنصف الثانى من الدينار سلعة


(١) المغنى لابن قدامة المقدسى ج ٤ ص ٣١٨ الطبعة السابقة
(٢) المرجع السابق لابن قدامة المقدسى ج ٤ ص ٣٢١، ص ٣٢٢ الطبعة السابقة