ولا لزوج ولا لحاكم فى شئ من ذلك الا ما كان معصية لله تعالى فهو باطل مردود. ومن معصية الله تعالى الصدقة والعطية بما لا يبقى بعده المتصدق او الواهب غنى. فان اراد السيد ابطال فعل العبد فى ماله. فليعلن بانتزاعه منه. ولا يجوز للعبد حينئذ تصرف فى شئ منه.
برهان ذلك ما رويناه من طريق ابى داود حدثنا احمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن وهب أخبرنى جرير بن حازم عن سليمان الأعمش عن ابى ظبيان وهو حصين بن جندب عن ابن عباس بن على بن ابى طالب قال لعمر بن الخطاب: أو ما تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاثة. عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبى حتى يحتلم.
ومن طريق أبى داود ايضا عن على بن ابى طالب عن النبى صلّى الله عليه وسلّم نحوه. وأبو ظبيان ثقة لقى على بن ابى طالب وسمع منه ومن ابن عباس ومن طريق ابى داود ايضا عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ وعن المبتلى حتى يبرأ وعن الصبى حتى يكبر. وقال تعالى «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون» وقال «والمصدقين والمصدقات» وقال: «جاهدوا بأموالكم وانفسكم فى سبيل الله» وقال: «ما سلككم فى سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين» وحض سبحانه على العتق. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا النار ولو بشق تمرة وقال الله تعالى «فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع» وقال: «وآتوا النساء صدقاتهن نحله .. » فصح أن كل أحد مندوب الى فعل الخير والصدقة والعتق والنفقة فى وجوه البر ليقى نفسه بذلك نار جهنم. ولا خلاف فى أن كل من ذكرنا من عبد وذات أب وبكر وذات زوج مأمورون منهيون متوعدون بالنار مندوبون موعودون بالجنة فقراء الى انقاذ انفسهم منها كفقر غيرهم سواء بسواء ولا مزية. فلا يخرج من هذا الحكم الا ما أخرجه النص. ولم يخرج النص الا المجنون مادام فى حال جنونه. والذى لم يبلغ الى أن يبلغ فقط - فكان الفرق بين من ذكرنا فيطلق بعضا على الصدقة والهبة والنكاح ويمنع بعضا بغير نص. مبطل محرم ما ندب الله تعالى اليه مانع من فعل الخير. قال على: روينا عن محمد بن سيرين أنه كان لا يرى الحجر على الحر شيئا. وهو قول جماعة من الصحابة رضى الله عنهم. وقول مجاهد وعبيد الله بن الحسن وغيره. وقال ابو حنيفة: لا يحجر على حر لا لتبذير ولا لدين ولا لتفليس ولا لغيره ولا يرى حجر القاضى عليه لازما ويرى تصرفه فى ماله واقراره بعد حجر القاضى عليه وقبله سواء. كل ذلك نافذ.
ثم ذكر أراء من جوزوا الحجر على السفيه وذى الغفلة والمدين وذكر حججهم وناقشها ورد عليها. وقال: ان السفه فى لغة العرب التى نزل بها القرآن وخوطبنا بها لا يقع الا على ثلاث معان … والمعنى الثالث هو عدم العقل الرافع للمخاطبة كالمجانين والصبيان فقط.
وهؤلاء باجماع منا ومنهم الذين ذكروا فى الآيتين قول الله تعالى:«ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التى جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا»