للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طوعا فمات أوجب أبو يوسف الدية فى ماليهما وقال أبو حنيفة ومحمد عليهما القصاص (١).

ولو أن رجلا اكرهه لص بالقتل على قطع يد نفسه وسعه ذلك لأنه ابتلى ببليتين فله أن يختار أهونهما عليه لحديث عائشة رضى الله عنها قالت ما خير رسول الله صلّى الله عليه وسلم بين أمرين الا اختار أيسرهما. فان قطع يد نفسه ثم خاصم المكره قضى القاضى له عليه بالقود. ولو قال له لتقطعن يد نفسك أولا قطعنها لم يسعه قطعها لأنه لا يعتبر مكرها (بالفتح) فى هذه الحالة لأن المكره من ينجو عما هدد به بالاقدام على ما طلب منه وهنا فى الحالين عليه ضرر قطع اليد. ولو اكره على أن يطرح نفسه فى النار بوعيد قتل وسعه ذلك سواء كان يرجو النجاة أو لا يرجو. وقيل لا يسعه أن يلقى نفسه اذا كان لا يرجو النجاة لأنه لو ألقى نفسه صار مقتولا بفعل نفسه ولو امتنع من ذلك صار مقتولا بفعل المكره وعلى الرأى الأول لوليه القود على المكره لأنه لما أبيح له الاقدام صار آلة للمكره. ولو قال له لنقتلنك بالسياط‍ أو لتقتلن نفسك بهذا السيف فقتل نفسه وجب القود على المكره لأن الاكراه هنا تحقق لأنه قصد بالاقدام على قتل نفسه بالسيف دفع ما هو أشد ضررا لأن القتل بالسياط‍ يطول فكان أشد على البدن من القتل بالسيف الذى يتم فى لحظة. وكذلك الحكم فيما دون النفس.

فان قال له لنحرقن يدك بالنار أو لتقطعنها بهذا الحديد فقطعها وجب القود على المكره ان كان واحدا وان كان أكثر من واحد فلا قود عليهم وتجب الدية عليهم فى مالهم لأنه لو قطع جماعة يد رجل لم يلزمهم القود ولو قتلوا رجلا كان عليهم القود (٢). ولو أكرهه على أن يطرح نفسه من فوق بيت ففعل قال أبو حنيفة لا يجب القود كما لو ألقاه المكره بنفسه وقال أبو يوسف ومحمد يجب القود اذا كان مما يقتل غالبا (٣). ولو أكره بوعيد قتل على قتل عبده أو قطع يد عبده لم يسعه أن يفعل ذلك لأن العبد فى حق نفسه باق على أصل الحرية. فان قتل المولى عبده كان له المطالبة بقتل من أكرهه قودا بعبده ان كان مثله لأن القود يجرى بين الحر والعبد فى النفس. وان قطع المولى يد عبده له مطالبة المكره بدية اليد لأن القود لا يجرى بين الحر والعبد فيما دون النفس. واذا كان الاكراه فى ذلك بالحبس فليس على المكره (بالكسر) شئ لأن الالجاء لم يتحقق والمولى آثم فيما فعل لأنه أطاع المخلوق فى معصية الخالق لأن الشرع نهاه عن ذلك. وليس على المولى سوى الاثم لأن الحق فى بدل نفس العبد أو يده له وهو لا يستوجب على نفسه عقوبة ولا مالا (٤). ولو أكره على أن يصنع بشخص شيئا لا يخاف منه تلف كضرب سوط‍ أو نحوه ففعل ذلك به رجوت أن لا يأثم فيه لأنه يدفع الهلاك عن نفسه بما يلحق الهم والحزن بغيره اذ قد رخص له الشرع فى ذلك اذ المضطر يباح له أخذ مال الغير بغير رضاه فان أبى عليه ذلك فمات منه كانت ديته على عاقلة المكره لأن فعل المكره صار منسوبا الى المكره فكأنه فعل ذلك بنفسه. وهذا بمنزلة الخطأ وهو يوجب الدية على عاقلته. هذا اذا لم يكن


(١) ابن عابدين ج‍ ٥ ص ١١٦.
(٢) المبسوط‍ ج‍ ٢٤ ص ٦٦ - ٦٩.
(٣) المرجع السابق ج‍ ٢٤ ص ٦٧، ٦٨.
(٤) المبسوط‍ ج‍ ٢٤ ص ٦٩، ٧٠.