للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فان طلب المشترى المتاع من البائع فقبضه بغير اكراه فله ذلك وعليه الثمن ويرجع به على الآمر لوجود دليل الرضا منه بالتزام العهدة حين طالبه بتسليم المبيع طائعا.

فان بدا له أن يأخذه بعد ذلك فقد وجب عليه الثمن حين طلبه بغير اكراه لأن دليل الرضا كصريح الرضا. وبعد ما لزمته العهدة برضاه لا يكون له أن يأبى كما لو كان راضيا به بالابتداء.

ولو أن رجلا باع عبدا الى رجل ولم يقبض الثمن بعد حتى أكرهه لص على دفعه الى المشترى بوعيد تلف أو سجن فدفعه كان له أن يرتجعه حتى يأخذ الثمن لأن الاكراه بعدم الرضا منه بالقبض فكان المشترى قبضه بغير رضاه. ولأن اسقاط‍ حقه فى الحبس بمنزلة الابراء عن الثمن.

فكما أن الاكراه يمنع صحة الابراء عن الثمن فكذلك يمنع سقوط‍ حقه فى الحبس.

كذلك لو كان المشترى قد باعه أو وهبه فللبائع أيضا أن ينقضه ويرتجع العبد قياسا على ما لو قبضه بغير تسليم منه وتصرف فيه.

ولأن البيع والهبة يحتملان النقض. فينقض لقيام حق البائع فى الحبس (١).

ولو أن لصا أكره رجلين بوعيد تلف على أن يتبايعا ويتقاضا ثم أكره المشترى بوعيد تلف على أن يقتل العبد المبيع عمدا بالسيف فالقياس فيه أن للبائع أن يقتل المكره بعبده لأن المشترى فى القبول والقبض والقتل كان ملجأ من جهة المكره فيكون بمنزلة الآلة له ويجعل فى الحكم كأن المكره هو الذى قتله بنفسه فيلزمه القود وفى الاستحسان عليه ضمان قيمته فى ماله ولا قود عليه لأنهما وان كانا مكرهين الا أن المشترى صار مالكا بالقبض فقتله للعبد صادف ملك نفسه. ولو قتله طائعا لم يلزمه القصاص. فمتى قتله مكرها لا يكون قتله أيضا موجبا للقصاص لمعنى هو أن المستحق لهذا القود مسببه فباعتبار أن العبد صار ملكا للمشترى فالقود يجب له. وباعتبار أن المشترى فى حكم الاتلاف الحاصل بقبوله وقبضه وقتله آله للمكره فالقود يكون للبائع وعند الاشتباه فى المستوفى يمتنع وجوب القصاص واذا سقط‍ القود للشبهة وجب ضمان قيمته على المكره لأن التكلم بالبيع والشراء وان لم يصر منسوبا الى المكره فتلف المال به صار منسوبا الى المكره.

والمشترى فى القتل والقبض كان له فلا يجب عليه شئ من الضمان بل ضمان القيمة على المكره فى ماله (٢). ولو أكرههما بالحبس على البيع وأكره المشترى على القتل بوعيد تلف فللبائع قيمة العبد على المشترى لأن البيع مع الاكراه بالحبس كان فاسدا. وأيضا القبض مقصور على المشترى وقد تعذر عليه رده فيلزمه قيمته لأنه ملجأ الى قتله.

فالاكراه أعدم الفعل فى جانبه فكأن العبد تلف فى يده بغير صنعه فعليه قيمته بسبب البيع الفاسد. وللمشترى أن يقتل الذى أكرهه على القتل لأن العبد كان مملوكا له حين أكرهه على قتله بوعيد تلف فصار فعل القتل منسوبا الى المكره بالكسر فيجب القصاص.


(١) المرجع السابق ج‍ ٢٤ ص ١٢٨، ١٢٩.
(٢) راجع المبسوط‍ للسرخسى ج‍ ٢٤ ص ص ١١٦.