للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أرض الشرك ولا يسقط‍ عن اللاحق بالمشركين لحاقه بهم شيئا من الحدود التى أصابها قبل لحاقه ولا التى أصابها بعد لحاقه لأن الله تعالى أوجب الحدود فى القرآن على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أرسلها ولم يسقطها وكذلك لم يسقطها عن المرتد ولا عن المحارب ولا عن الممتنع ولا عن الباغى اذا قدر على اقامتها عليهم «وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (١)» ونحن نشهد بشهادة الله تعالى ان الله عز وجل لو أراد أن يستثنى أحدا من هؤلاء لما سكت عن ذلك أعتاتا لنا ولا أهمله ولا أغفله فاذا لم يعلمنا بذلك فنحن نقسم بالله تعالى ان الله تعالى ما أراد قط‍ اسقاط‍ حد أصابه لاحق بالشرك قبل لحاقه أو أصابه بعد لحاقه بهم أو أصابه مرتد قبل ردته أو بعدها وان من خالف هذا فمخطئ عند الله تعالى بيقين لا شك فيه ومن صار مختارا الى أرض الحرب شاقا للمسلمين أمرتد هو بذلك أم لا. ومن اعتضد بأهل الحرب على أهل الاسلام وان لم يفارق دار الاسلام أمرتد هو بذلك أم لا قال أبو محمد: حدثنا عبد الله بن ربيع حدثنا محمد بن معاوية حدثنا أحمد بن شعيب حدثنا محمد بن قدامه عن جرير عن مغيره عن الشعبى قال. كان جرير يحدث عن النبى صلى الله عليه وسلم إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة وان مات كافرا فابق غلام لجرير فأخذه فضرب عنقه وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال:

(اذا أبق العبد الى الشرك فقد حل دمه) والاباق الذى يكفر به هو اباقه الى أرض الشرك والعبد واقع على كل أحد لأن كل أحد عبد الله تعالى وقد علمنا ان من خرج عن دار الاسلام الى دار الحرب فقد أبق عن الله تعالى وعن امام المسلمين وجماعتهم وبين هذا حديثه صلى الله عليه وسلم انه برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين وهو عليه السّلام لا يبرأ الا من كافر قال الله تعالى «الْمُؤْمِنُونَ ٢ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ» فصح بهذا ان من لحق بدار الكفر والحرب مختارا محاربا لمن يليه من المسلمين فهو بهذا الفعل مرتد له أحكام المرتد كلها من وجوب القتل عليه متى قدر عليه ومن اباحة ماله وانفساخ نكاحه وغير ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبرأ من مسلم وأما من فر الى أرض الحرب لظلم خلفه ولم يحارب المسلمين ولا أعانهم عليهم ولم يجد فى المسلمين من يجيره فهذا لا شئ عليه لأنه مضطر مكره وقد ذكرنا ان الزهرى محمد بن مسلم بن شهاب كان عازما على أنه ان مات هشام بن عبد الملك لحق بأرض الروم لأن الوليد بن يزيد كان قد نذر دمه ان قدر عليه وهو كان الوالى بعد هشام فمن كان هكذا فهو معذور وكذلك من سكن بأرض الهند والسند والصين والترك والسودان والروم من المسلمين فان كان لا يقدر على الخروج من هنالك لثقل ظهر أو لقلة مال أو لضعف جسم أو لامتناع طريق فهو معذور فان كان هنالك محاربا للمسلمين معينا للكفار بخدمة أو كتابة فهو كافر وان كان انما يقيم هنالك لدنيا يصيبها وهو كالذمى لهم وهو قادر على اللحاق بجمهرة المسلمين وأرضهم فما يبعد عن الكفر وما ترى (٣) له عذرا.


(١) الآية رقم ٦٤ من سورة مريم.
(٢) الآية رقم ٧١ من سورة مريم.
(٣) المحلى لابن حزم ج‍ ١١ ص ١٩٨ مسألة رقم ١٩٨؟؟؟.