للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقتضى ذلك عدم توقفه على القبول ولكن هذا الالتزام لا يتم ولا يترتب عليه أثره الا بقبول من وجه اليه الالتزام ويدخل فى ذلك التبرعات كالهبة والرهن وما فى معناهما وفى تفصيل أحكام ذلك فى المذاهب يرجع الى مصطلح (عقد ووعد وتصرف).

ومما يتصل بسببه العقد الالتزام بالمعروف من صدقة أو حبس أو هبة جائزة أو قرض على وجه الصلة وطلب البر وما أشبه ذلك من الوجوه المعروفة بين الناس فى احتسابهم وحسن معاشرتهم فانه فيما يرى المالكية لازم لصاحبه لا يقبل منه الرجوع عنه ولصاحب الحق فيه اذا ما كان معينا أن يطالب به ويخاصم الملتزم فيه أمام القضاء فيقضى عليه بما التزمه. أما اذا كان غير معين كالفقراء فالمشهور من مذهب مالك ان الملتزم بذلك يؤمر بالوفاء ديانة ولا يقضى عليه به لعدم تعين صاحبه ولأن القضاء به يخرجه عما قصد اليه به من الثواب لاخراجه بعد القضاء به كارها والقربة يجب أن تخرج عن اختيار وطواعية حتى يثاب عليها.

ومن المالكية من ذهب الى أن الحاكم يجبره على التنفيذ اذا علم بذلك دون حاجة الى مخاصمة أو ادعاء والقولان فى المدونة وعلى هذا الرأى يكون هذا من قبيل العقد الانفرادى الذى ينشأ من جانب واحد وأساس ما ذهب اليه المالكية الاحتجاج بقوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» وقوله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ ١ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ»}. غير انهم قد ذهبوا الى أنه اذا كان شئ مما تقدم قد صدر على وجه الحلف والتعليق قصدا الى فعل شئ أو امتناع عن شئ فانه لا يقضى به اذا تحقق الشرطو انما يجب الوفاء ديانة سواء كان الملتزم له معينا أم غير معين وهذا هو المشهور من مذهب مالك ووجه هذا ان الحالف انما قصد أن يمتنع عما حلف الا يفعله والمنازع انما قصدا للحاجة وتحقيق المنازع فيه وليس لأحدهما قصد الى صدقة وهذا بخلاف الصدقة المسبلة الى الله تعالى من غير تعليق فانها ان كانت لمعين حكم بها باتفاق والا ففى الحكم بها خلافهم.

ومن المالكية من ذهب الى أنه يقضى على الملتزم فى هذه الحال - قال ابن دينار:

اذا قال شخص لامرأته ان تسريت عليك فالسرية صدقة عليك لزمه ذلك ان تحقق الشرط‍ وكانت صدقة لها حتى اذا أعتقها لم ينفذ عتقه وقال ابن نافع اذا باع رجل لآخر سلعة وقال له ان خاصمتك فيها فلك كذا ثم خاصمه لزمه ما التزم به وعلى هذا الرأى يمكن تخريج ما يسمى بالشروط‍ الجزائية.

وكذلك ذهبوا الى أن الالتزام اذا حدث على سبيل المخاطرة لم يكن ملزما عندهم كما اذا قال أحد الخصمين للآخر لان لم آتك ببينة أو بمستند على دعواى فى وقت كذا فدعواى باطلة فمثل ذلك لا يلزمه وخالف الجمهور فى ذلك فذهبوا الى أن مثل هذا الالتزام فى جميع صوره لا يلزم صاحبه وله الرجوع عنه متى شاء لأنه التزام بتبرع وما على المحسنين من سبيل.


(١) الآية رقم ٢، ٣ من سورة الصف.