للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما» (١) وانه كناية عن كلام فى ضرب ايذاء.

ومعلوم ان معنى التأذى بترك الانفاق عليهما عند عجزهما وقدرة الولد أكثر فكان النهى عن التأفيف نهيا عن ترك الانفاق دلالة، كما كان منها نهيا عن الشتم والضرب دلالة وروى عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبوه فقال يا رسول الله ان لى مالا وأن لى أبا وله مال وان أبى يريد أن يأخذ مالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنت ومالك لأبيك» أضاف مال الابن الى الأب بلام التمليك وظاهره يقتضى أن يكون للأب فى مال ابنه حقيقة الملك فان لم تثبت الحقيقة فلا أقل من أن يثبت له حق التمليك عند الحاجة، وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال:

«ان أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه فكلوا من كسب أولادكم اذا احتجتم اليه بالمعروف» والحديث حجة بأوله وآخره أما بآخره فظاهر لأنه صلّى الله عليه وسلّم أطلق للأب الأكل من كسب ولده اذا احتاج اليه مطلقا عن شرط‍ الاذن والعوض، فوجب القول به، واما بأوله فلأن معنى قوله «وان ولده من كسبه أى كسب ولده من كسبه لانه جعل كسب الرجل أطيب المأكول والمأكول كسبه لا نفسه واذا كان كسب ولده كسبه كان نفقته فيه لان نفقة الانسان فى كسبه ولأن ولده لما كان من كسبه كان كسب ولده ككسبه، وكسب كسب الانسان كسبه ككسب عبده المأذون فكانت نفقة فيه.

واما نفقة الولد فلقول الله سبحانه وتعالى «وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (٢) أى رزق الوالدات المرضعات فان كان المراد من الوالدات المرضعات المطلقات المنقضيات العدة ففيها ايجاب نفقة الرضاعة على المولود له وهو الأب لأجل الولد كما فى قوله تعالى «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» (٣) وان كان المراد منهن المنكوحات أو المطلقات المعتدات فانما ذكر النفقة والكسوة فى حال الرضاع وان كانت المرأة تستوجب ذلك من غير ولد لأنها تحتاج الى فضل اطعام وفضل كسوة لمكان الرضاع الا ترى ان لها ان تفطر لأجل الرضاع اذا كانت صائمة لزيادة حاجتها الى الطعام بسبب الولد؟ ولأن الانفاق عند الحاجة من باب احياء المنفق عليه، والولد جزء الوالد واحياء نفسه واجب كذا احياء جزئه، واعتبار هذا المعنى يوجب النفقة من الجانبين ولأن هذه القرابة مفترضة الوصل محرمة القطع بالاجماع والانفاق من باب الصلة فكان واجبا وتركه مع القدرة للمنفق وتحقق حاجة المنفق عليه يؤدى الى القطع فكان حراما (٤) واما سبب وجوب نفقة الولادة فهو الولادة لان به تثبت الجزئية والبعضية والانفاق على المحتاج احياء له


(١) الآية رقم ٢٣ من سورة الاسراء.
(٢) الآية رقم ٢٣٣ من سورة البقرة.
(٣) الآية رقم ٦ من سورة الطلاق.
(٤) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج‍ ٤.