للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأن القذف أضيف اليه وهو كان محلا قابلا للقذف صورة ومعنى بالحاق العار به، فانعقد القذف موجبا حق الخصومة له خاصة فلو انتقل الى ورثته لا تنقل اليهم بطريق الارث، وهذا الحد لا يحتمل الارث فسقط‍ ضرورة.

ولا يراعى فى طلب حد القذف احصان المخاصم بل الشرط‍ احصان المقذوف - وعند أصحابنا الثلاثة - حتى لو كان الولد أو الوالد عبدا أو ذميا فله حق الخصومة - وقال زفر: احصان المخاصم شرط‍، وليس للعبد ولا للكافر أن يخاصم، وجه قوله أن اثبات حق الخصومة له لصيرورته مقذوفا معنى باضافة القذف الى الميت، ولو أضيف اليه القذف ابتداء لا يجب الحد، فها هنا أولى.

ويقول صاحب «البدائع» ولنا أن الحد لا يجب لعين القذف بل الحوق عار كامل بالمقذوف وان كان الميت محصنا فقد لحق الولد عار كامل، فلا يشترط‍ احصانه، لأن اشتراطه للحوق عار كامل به، وقد لحقه بدونه، ولو كان الوارث قتله حتى حرم الميراث فله أن يخاصم لأن هذا الحق لا يثبت بطريق الارث (١). ومن شرائط‍ وجوب حد القذف أن لا يكون القاذف أب المقذوف، ولا جده وان علا، ولا أمه ولا جدته وان علت، فان كان فلا حد عليه لقول الله تبارك وتعالى: «فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ» (٢)، والنهى عن التأفيف نصا نهى عن الضرب دلالة، ولهذا لا يقتل به قصاصا، ولقوله سبحانه وتعالى: «وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً» (٣)، والمطالبة بالقذف ليست من الاحسان فى شئ، وكان منفيا بالنص، ولأن توقير الأب واحترامه واجب شرعا وعقلا والمطالبة بالقذف للجد ترك التعظيم والاحترام، فكان حراما (٤).

وجاء فى «الهداية» أن من نفى نسب غيره، فقال: لست لأبيك، فانه يحد. وهذا اذا كانت أم المنفى حرة مسلمة، لأنه فى الحقيقة قذف لأمه، لأن النسب انما ينفى عن الزانى لا عن غيره. ومن قال لغيره فى غضب لست بابن فلان لأبيه الذى يدعى له يحد، ولو قال فى غير غضب لا يحد، لأن عند الغضب يراد به حقيقته سبا له، وفى غيره يراد به المعاتبة بنفى مشابهة أباه فى أسباب المروءة. ولو قال: لست بابن فلان، يعنى جده لم يحد، لأنه صادق فى كلامه، ولو نسبه الى جده لا يحد أيضا لأنه قد ينسب اليه مجازا.

ولو قال له: يا ابن الزانية، وأمه ميتة محصنة، فطالب الابن بحده، حد القاذف، لأنه قذف محصنة بعد موتها (٥). ولو قذف رجل أم ابنه وهى ميتة فليس للولد أن يحاصم أباه لأن الأب لو قذف ولده وهو حى محصن ليس للولد أن يخاصم أباه تعظيما له.

ففى حالة قذف الأم الميتة أولى. وكذلك المولى اذا قذف أم عبيده وهى حرة ميتة فليس العبد أن يخاصم مولاه فى القذف لأنه عبد مملوك لا يقدر على شئ (٦).


(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ح‍ ٧ ص ٥٤، ٥٥ الطبعة السابقة.
(٢) الآية ٢٣ من سورة الاسراء.
(٣) الآية رقم ٨٣ من سورة البقرة.
(٤) بدائع الصنائع ح‍ ٧ ص ٤٢ نفس الطبعة السابقة.
(٥) الهداية شرح بداية المبتدى ح‍ ٤ المطبعة الأميرية ص ١٩٣، ١٩٤.
(٦) بدائع الصنائع ح‍ ٧ ص ٥٥ نفس الطبعة