شروط الإمارة العامة وهذه الإمارة هي من أعظم الولايات الخاصة أحكاما ومن أوفرها أنواعا وفصولا ويتعلق بها من الأحكام عند عمومها ستة: أولها ما يتعلق بتسيير الجيش وعليه في ذلك أن يراعى سبعة حقوق أحدها الرفق بالجيش في السير الذي يقدر عليه أضعفهم وتحفظ به قوة أقواهم. ثانيها أن يتفقد خيلهم ورُبُطهم ويمنع من حمل ما يزيد على طاقة خيلهم؛ ثالثها أن يراعى من معه من المقاتلة مسترزقة ومتطوعة أما المسترزقة فهم أصحاب الديوان من أهل الفيئ والجهاد فيفرض لهم العطاء من بيت المال بحسب الفناء والحاجة. وأما المتطوعة فهم الخارجون عن الديوان من أهل البوادى وسكان القرى والأمصار الذين خرجوا في النفير طاعة لقوله تعالى {انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله} أي شبانا وشيوخا أغنياء وفقراء ركبانا ومشاة. وهؤلاء يعطون من الصدقات ولا يُعطون من الفيئ لأن حقهم في الصدقات ولا يعطى أهل الفيئ المسترزقة من الديوان شيئا من مال الصدقات فلكل واحد من الفريقين مال لا يجوز أن يشاركه غيره فيه. إلى هذا ذهب الشافعي. وجوَّز أبو حنيفة صرف كل واحد من المالين إلى كل واحد من الفريقين بحسب الحاجة. ورابعها أن يعرِّفَ على الفريقين العرفاءَ وينقب عليهما النقباء ليعرف من عرفائهم ونقبائهم أحوالهم. وفد فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك في مغازيه، فكان - صلى الله عليه وسلم - يؤمر على السرايا والجيوش الأمراء والنقباء والعُرفاء في أسفارهم وغزواتهم ومحلاتهم ليكون إليهم تعليمهم والقيام على أمورهم وقد جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة اثنى عشر نقيبا من الأنصار على طوائفهم ممن بايعه يعرفونهم بالإِسلام والخامس أن يجعل لكل طائفة شعارا يتداعون به ليصيروا متميزين وبالإجماع متظافرين. فقد روى عروة بن الزبير عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل شعار المهاجرين: بنى عبد الرحمن وشعار الخزرج: بنى عبد الله وشعار الأوس: بنى عبيد الله وسمى خيله خمل الله. والسادس أن يتصفح الجيش ومن فيه ليخرج منهم من كان فيه تخذيل للمجاهدين وإرجاف للمسلمين أو كان عبئا عليهم للمشركين فقد رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبي بن سلول في غزوة تبوك في بعض غزواته لتخذيله المسلمين. والسابع ألَّا يمائى من ناسبه أو وافق رأيه ومذهبه على غيره حتى لا يظهر من ذلك ما تتفرق به الكلمة الجامعة. وقد أغض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المنافقين وهم أعداء الدين وأجرى عليهم أحكام ظاهرهم - ومن أحكام هذه الإمارة تدبير الحرب والنظر فيها يعامل به المشركون المحاربون وهم على ضربين أحدهما من بلغتهم الدعوة الإسلامية فامتنعوا من إجابتها وتأبوا عليها وأمير الجيش مخير في قتالهم بين أن يبيتهم ليلا أو يغير عليهم بغتة نهارا وبين أن ينذرهم ويحاربهم حتى ينتصر عليهم والضرب الثاني من لم تبلغه الدعوة وهؤلاء يحرم قتالهم فبل إظهار دعوة الإسلام وإعلامهم به فإن أقاموا على الكفر بعد ذلك حاربهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فإن بدأ بقتالهم قبل دعائهم إلى الإسلام وإنذارهم بالحجة وقتلهم غرة وبياتا ضمن ديات نفوسهم وكانت على الأصح من مذهب الشافعي كديات المسلمين ومقابله تكون مماثلة لديات الكفار على اختلافها باختلاف مذاهبهم. وعند أبي حنيفة لا دية على قاتلهم ونفوسهم هدر وهو ما ذهب إليه الحنابلة.