ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} (آل عمران) وهى من فروض الكفاية إذا قام بها بعض الأمة سقط طلبها عن باقيها لم يخالف في ذلك إلا عدد دليل منهم الشيخ أبو جعفر وابن حمزة من الإِمامية.
وهذه الولاية ولاية شرعية أوجبها الشارع على من كان قادرا عليها. قال - صلى الله عليه وسلم - "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإِيمان" رواه الشيخان في صحيحهما.
وولاية الخليفة أو الحاكم تنظمها بحكم أنها ولاية عامة ولذا كان الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بالنسبة إليهما فرض عين كما أنه فرض عين كذلك على من يُولى ذلك من قبل الخلفاء أو الأمراء بحكم منصبه ووجوب قيامه به والولاية في الحسبة نوعان: ولاية أصلية ثابتة عن الشارع وهى الولاية التي اقتضاها التكليف بها وولاية مستمدة وهى التي تُسْتمد من الخليفة أو الأمير وهي ولاية المحتسب المعين كذلك ولذا يُرى أنه يجمع بين الولايتين جميعا لأنه مكلف بها من جهة الشارع ومكلف بها كذلك من قبل من عهد بها إليه.
والولاية الأصلية كما تتضمن الأمر والنهى على وجه الطلب مباشرة تتضمن كذلك القيام بما يؤدى إلى اجتناب المنكر على وجه الإدعاء والاستعداء وذلك بالتقدم إلى القضاء بالدعوى أو بالشهادة لديه أو باستدعاء إلى المحتسب أو والى المظالم وتسمى الدعوى لدى القاضي عندئذ دعوى حسبة ولا تكون إلا فيما هو حق لله تعالى أو ما كان فيه حق الله غالبا وعندئذ يكون مدعيها مدعيا بالحق وشاهدا عليه في وقت واحد لأنه إن كان ممن عاين المنكر فهو شاهد وشهادته مقبولة دون دعوى تتقدمها وإن لم يشاهده ولم يعلم به لم تكن دعواه دعوى حقيقية وكانت مجرد اختبار للقاضى بما حصل من أمر المنكر لا يترتب عليه أثر وليس للقاضى بناء عليه أن يقوم بتجسس لأن وظيفته تنحصر في الفصل فيما يرفع إليه من النزاع ولا تتعدى ذلك إلى التحرى وبث العيون.
والحسبة ولاية شرعية ووظيفه دينية تلى في المرتبة وظيفة القضاء إذ أن ولايات رفع المظالم ثلاث أسماها وأقواها ولاية المظالم ويليها ولاية القضاء ويليها ولاية الحسبة لأن ولاية المظالم تقوم على التناصف بالرهبة وزجر المنازعين عن التجاحد بالهيبة ولذا كان من يعهد بها إليه جليل القدر عظيم الهيبة ظاهر العفة قليل الطمع كثير الورع لأن قيامه بعمله يحتاج إلى سطوة الحُماة وثبت القضاة ولذا كان من سلطانه تنفيذ ما لم ينفذ من أحكام القضاء للعجز عن تنفيذه والضعف عن إنفاذه أما ولاية القضاء فمجالها الفصل بين الناس في المنازعات التي ترفع إلى القاضي وأما ولاية الحسبة فهى تقصر عن ولاية القضاء في إنشاء الأحكام إذ أن مجالها النظر في الأمر بمعروف ترك والنهى عن منكر يفعل دون حاجة إلى دعوى ترفع وبينة تقدم وأيمان تطلب والحدود بمن هذه الولايات الثلاث ليست مرسومة على وجه يمتنع منه التداخل والتنازع بينها. فكان الفصْل بينها بسبب ذلك دقيقا وكان المرجع في ذلك على العموم ما نحويه مراسم التولية في كل منها وعلى الجملة يُرى أن ولاية الحسبة تتفق مع ولاية القضاء في بعض المسائل وتقصر عنها في بعضها وتزيد علمها في مسائل أخرى فهى تتفق معها في جواز الاستعداء إلى القائم بها