مصرفه مستحقا على وجه البدل كأرزاق الجند وأثمان الكراع والسلاح فاستحقاق ذلك غير معتبر، بالوجود وهى من الحقوق اللازمة عند الوجود والعدم فعند الوجود يحل ومنه كالديون مع اليسار وعند العدم يجب في الأنظار كالديون مع الإعسار والضرب الثاني أن يكون مصرفه مستحقا على وجه المصلحة والارتفاق دون البدل فاستحقاقه معتبر بالوجود دون العدم فإن كان موجودا في بيت المال وجب فيه وسقط فرضه عن المسلمين وإن كان معدوما سقط وجوبه عن بيت المال وكان من فروض الكفاية أن عم ضرره كافة المسلمين حتى يقوم به منهم من فيه كفاية كالجهاد وإن كان ما لا يعلم ضرره كوعورة طريق قريب يجد الناس طريقا غيره بعيدا أو انتفاع شرب يجد الناس شربا غيره فإنه إن سقط وجوبه على بيت المال بالعدم سقط وجوبه عن الكافة لوجود البدل وإذا اجتمع على بيت المال حقان ضاق عنهما واتسع لأحدهما صرف فيما يصير منهما دينا في بيت المال فلو ضاق من كل واحد منهما جاز لولى الأمر إذا خاف الفساد أن يعترض على بيت المال ما يصرفه في الديون دون الارتفاق. وكان بيت المال مأخوذا بقضائه إذا اتسع له بعد ذلك وإذا كان قيما لبيت المال من حقوق فضل عن مصرفها فقد اختلف في ذلك الفقهاء فذهب أبو حنيفة إلى أنه يُدخر في بيت المال لما ينوب المسلمين من حادث وذهب الشافعي إلى أنه يفرق على ما يعم به صلاح المسلمين ولا يُدخر وإن النوائب يتعين فرضها عليهم إذا حدثت ولم يكن في بيت المال ما يقوم بها (المرجع السابق).
وأما الخراج فهو ما يفرض على الأرض التي فتحها المسلمون عنوة أو صلحا. ويرى أبو يوسف أنه يعد من الفيئ إذ يقول وأما الفيئ فهو الخراج عندنا والخراج خراج الأرض وكان عمر رضى الله عنه يرى أن الخراج حق لجماعة المسلمين غانمين وغير غانمين ولذا خالف بلال حين سأله قسمة ما أفاء الله عليهم من أرض العراق والشام قائلا لو قسمت لم يبق لمن بعدكم شئ وقد أشرك الله فيها الذين يأتون من بعدكم إذ قال {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولأخواننا الذين سبقونا بالإيمان}.
وهذا والله أعلم يعلم كل من جاء بعدهم من المؤمنين إلى يوم القيامة: ويرى أبو عبيدة أن الجزية من الفيئ أيضا فالخراج هو ما على الأرض من وظيفة وما على الرءوس من جزية ولذا كانت الجزية شأنها شأن الخراج في أنها لجميع المسلمين والأراضى التي افتتحها المسلمون ثلاثة أنواع أرض أسلم عليها أهلها وهى لهم ملك وعليهم فيها عشر ما تنتجه زكاة لا خراجا وأرض فتحت صلحا على خراج معلوم وهى على ما صولح عليه أهلها لا يلزمهم أكثر منه ومصيره إلى بيت المال وأرض أخذت عنوة وقد اختلف فيها الرأى بين الفقهاء فقال بعضهم سبيلها سبيل الغنيمة فتخمس وتقسم أربعة أخماسها بين الغانمين والخمس الباقى لمن سمى الله تعالى في قوله {واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} وقال بعضهم أمرها إلى الإمام إن رأى أن يجعلها غنيمة جعلها كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خيبر فذلك له إن رأى المصلحة في ذلك وإن رأى أن يجعلها فيئا فلا يخمسها ولا يقسمها بل تكون موقوفة على المسلمين عامة فذلك له إن رأى المصلحة فيه