للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما علم محمد بن الحنفية عنه ذلك تبرأ منه وأعلن للناس براءته منه ومن الضلالات والتأويلات الفاسدة التي ابتدعها. وإنما حمله على الانتساب إلى محمد بن الحنفية حسن اعتقاد الناس فيه، وامتلاء قلوبهم بمحبته إذ كان كثير العلم غزير المعرفة وقاد الفكر .. مصيب النظر في العواقب .. وقد أخبره أبوه أمير المؤمنين على عليه السلام من أحوال الملامح وأطلعه على مدارج المعالم.

وقد قيل أنه كان مستودع علم الإمامة حتى سلم الأمانة إلى أهلها، وما فارق الدنيا حتى أقرها في مستودعها وكان من شيعته السيد الحميرى وكثير عزة، الشاعران المعروفان، وكانا يعتقدان أنه لم يمت بل هو في جبل رضوى بين أسد ونمر يحفظانه وعنده عينان نضاختان تجريان بماء وعسل ويعود بعد الغيبة فيملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا. وقد قال كثير عزة في ذلك شعرًا يروى .. وهذا أول حكم بغيبة الإمام ورجوعه بعد الغيبة حكم به الشيعة .. وجرى في بعض جماعاتهم حتى اعتقدوه دينا وركنا من أركان التشيع ..

وبعد انتقال محمد بن الحنفية. اختلف الكيسانية، فمنهم من ساق الإمامة إلى ابنه أبى هاشم الذي أفضى إليه أبوه بأسرار العلوم والمعارف ومن تجتمع له العلوم فهو الإمام حقا ويسمى هؤلاء بالهاشمية .. ثم اختلف الهاشمية بعد أبى هاشم إلى خمس فرق أو أكثر ذكرها الشهرستانى وذكر مذاهبها ومعتقداتها.

قالت فرقة أن أبا هاشم مات منصرفا من الشام بأرض الشراة، وأوصى بالإمامة إلى محمد بن على بن عبد الله بن عباس وأنجزت الوصية في أولاده حتى صارت الخلافة إلى بنى العباس .. ولهم في الخلافة حق لإتصال النسب، وقد توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمه العباس حى وهو أولى بالخلافة ..

وقالت فرقة أخرى أن الإمامة بعد موت أبى هاشم لابن أخيه الحسن بن على بن محمد بن الحنفية.

وقالت فرقة ثالثة: إن أبا هاشم أوصى إلى أخيه علي بن محمد بن الحنفية وعليّ أوصى إلى ابنه الحسن .. فالإِمامة عندهم في بنى الحنفية لا تخرج إلى غيرهم ..

وقالت طائفة: إن أبا هاشم أوصى إلى عبد الله بن عمرو بن حرب. الكندى وإن الإمامة خرجت بذلك من بنى هاشم إلى عبد الله الكندى وتحولت إليه روح بنى هاشم .. وعبد الله هذا ما كان على شئ من العلم ولا من الديانة.

واطلع بعض القوم على حقيقته وخيانته وكذبه، فأعرضوا وقالوا بأمانة عبد الله بن معاوية بن جعفر بن أبى طالب .. وكان من مذهب عبد الله أن الأرواح تتناسخ من شخص إلى شخص، وأن روح الله تناسخت حتى وصلت إليه وحلت فيه، وأدعى الألوهية والنبوة "وأنه يعلم الغيب، فعبده شيعته الحمقى وكفروا بالقيامة لاعتقادهم أن التناسخ يكون في الدنيا .. ولما مات افترق أصحابه فمنهم من قال: إنه ما يزال حيا لم يمت وسيرجع .. ومنهم من قال: إنه مات وتحولت روحه إلى إسحاق بن زيد بن الحارث الأنصارى. وهم الحارثية الذين "يبيحون المحرمات ويعيشون عيش من لا تكليف عليه ..