للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والبلوغ شرط لصحة الأمان وقال محمد رحمه الله: البلوغ ليس بشرط، فالصبى المراهق الذي يعقل الإِسلام، لا يصح أمانه عند أبى حنيفة وأبى يوسف، وعند محمد يصح. وجه قوله: أن أهلية الأمان مبنية على أهلية الإيمان، والصبى الذي يعقل الإِسلام من أهل الإيمان، فيكون من أهل الأمان كالبالغ. ووجه قولهما: أن الصبى ليس مكلفا، فلا يكون من أهل الأمان؛ لأن حكم الأمان: حرمة القتال؛ وخطاب التحريم لا يتناول. ولأن من شرط صحة الأمان أن يكون بالمسلمين ضعف وبالكفرة قوة؛ وهذه حالة خفية لا يوقف عليها إلا بالتأمل والنظر؛ ولا يوجد ذلك من الصبى، لاشتغاله، باللهو واللعب (١).

والسلامة عن العمى والزمانة والمرض ليست بشرط للأمان، فيصع أمان الأعمى والزمن والمريض لأن الأصل في صحة الأمان صدوره عن رأى ونظر في الأحوال الخفية من الضعف والقوة؛ وهذه العوارض لا تقدح فيه (٢).

ولا يجوز أمان التاجر في دار الحرب، والأسير فيها، والحربى الذي أسلم هناك. لأن هؤلاء لا يقفون على حال الغزاة: من القوة والضعف؛ فلا يعرفون للأمان مصلحة. ولأنهم متهمون في حق الغزاة، لكونهم مقهورين في أيدى الكفرة. (٣).

وليست الحرية بشرط لصحة الأمان، فيصح أمان العبد المأذون في القتال بالإِجماع (٤). وإما العبد غير المأذون فيه فلا، يجوز أمانه عند أبى حنيفة وأبى يوسف وقال محمد يصح وجه قوله حنيفة وأبى يوسف وقال محمد يصح وجه قوله ما روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: "المسلمون تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، والذمة العهد، والأمان نوع عهد، والعبد المسلم أدنى المسلمين فيتناوله الحديث، ولأن حجر المولى يعمل في التصرفات الضارة دون النافعة، بل هو في التصرفات النافعة غير محجور كقبول الهبة والصدقة، ولا مضرة للمولى في أمان العبد بتعطيل منافعه عليه؛ لأنه يتأدى في زمان قليل، بل له ولسائر المسلمين فيه منفعة فلا يظهر إنحجاره عنه، فأشبه المأذون بالقتال.

ووجه قولهما: أن الأصل في الأمان أن لا يجوز؛ لأن القتال فرض، والأمان يحرم القتال، إلا إذا وقع في حال يكون بالمسلمين ضعف وبالكفرة قوة، لوقوعه وسيلة إلى الاستعداد للقتال في هذه الحالة، فيكون قتالا معنى، إذ الوسيلة إلى الشئ حكمها حكم ذلك الشئ، وهذه حالة لا تعرف إلا بالتأمل، والنظر في حال المسلمين، في قوتهم وضعفهم والعبد المحجور لاشتغاله بخدمة المولى لا يقف عليهما، فكان أمانه تركا للقتال المفروض صورة ومعنى، فلا يجوز فبهذا فارق المأذون؛ لأن المأذون بالقتال يقف على هذه الحالة، فيقع أمانة وسيلة إلى القتال فكان إقامة للفرض معنى فهو الفرق، وأما الحديث فلا يتناول المحجور، لأن الأدنى إما أن يكون من الدناءة وهى الخساسة، وإما أن يكون من الدنو وهو القرب، والأول ليس بمراد، لأن الحديث يتناول المسلمين بقوله عليه الصلاة والسلام: تتكافأ


(١) بدائع الصنائع: جـ ٧ ص ١٠٧
(٢) بدائع جـ ٧ ص ١٠٦
(٣) بدائع الصنائع جـ ٧ ص ١٠٦
(٤) الخرشى جـ ٣ ص ١٢٣