للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووجه قول أبى خطاب (١) هو قوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} الآية (٢).

ويمنع غير المسلمين من دخول حرم مكة، لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} الآية من سورة التوبة رقم ٢٨. والمراد حرم مكة لا خصوص المسجد. وإنما منع غير المسلمين من الحرم دون سائر الحجاز لأن الحرم أفضل أماكن العبادات للمسلمين وأعظمها ولأنه محل النسك فوجب أن يمنع منه من لا يؤمن به. وظاهر هذا المنع أنه مطلق، أي سواء أذن له أو لم يؤذن. ولا يمنعون دخول حرم المدينة لأن الآية نزلت واليهود بالمدينة ولم يمنعوا من الإِقامة بها. فإن قدم رسول من الكفار لابد له من لقاء الإِمام، والإِمام بالحرم المكى، خرج إليه الإِمام ولم يأذن له في الدخول لعموم الآية. فإن دخل الكافر الحرم - رسولًا كان أو غيره - عالما بالمنع، عزر لإِتيانه محرما وأخرج من الحرم. وينهى الجاهل عن العود لمثل ذلك ويهدد ويخرج ولا يعذر لأنه معذور بالجهل. فإن مرض بالحرم أو مات به أخرج منه، لأنه إذا وجب إخراجه حيا فإخراج جيفته أولى، وإنما جاز دفنه بالحجاز سوى حرم مكة لأن خروجه من حرم مكة سهل ممكن لقرب الحِلِّ منه، وخروجه من أرض الحجاز وهو مريض أو ميت صعب شاق لبعد المسافة. وإن دفن بالحرم نبش وأخرج، إلا أن يكون قد بلى فيترك، وكذا لو تصعب إخراجه لنتنه وتقطعه للمشقة في إخراجه. وإن صالحهم الإِمام على دخول الحرم بعوض فالصلح باطل لأنه صلح يحل حراما، فإذا دخلوا إلى الموضع الذي صالحهم عليه لم يرد إليهم العوض لئلا يجمعوا بين العوض والمعوض، وإن دخلوا إلى بعض الموضع الذي صالحهم عليه أخذ من العوض بقدره ويمنعون من الإقامة بالحجاز، والأصل في ذلك ما روى أبو عبيدة بن الجراح: أن آخر ما تكلم به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اخرجوا اليهود من أرض الحجاز، رواه أحمد. وقال عمر: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلا أترك فيها إلا مسلما. رواه الترمذى وقال حسن صحيح. والمراد الحجاز؛ بدليل أن الخلفاء لم يخرجوا أحدًا من اليمن وتيماء، قال أحمد: جزيرة العرب: المدينة وما والاها، يعنى أن الممنوع من سكنى الكفار: مكة والمدينة وخيبر والينبع وفدك ومخاليفها. وليس لهم دخول الحجاز إلا بإذن الإمام، وفى المستوعب: وقد وردت السنة بمنعهم من جزير العرب. كما تقدم في الخبر. وحد الجزيرة على ما ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام: من عدن إلى ريف العراق طولا ومن تهامة إلى ما وراء أطراف الشام عرضا. فإن دخلوا الحجاز لتجارة أو غيرها لم يقيموا في موضع واحد أكثر من ثلاثة أيام لأن عمر أذن لمن دخل تاجرا في إقامة ثلاثة أيام، فدل على المنع في الرائد. وله أن يقيم مثل ذلك أي ثلاثة أيام فأقل - في موضع آخر من أراضى الحجاز، وكذا له أن يقيم ثلاثة أيام في دونها في موضع ثالث وموضوع رابع وهكذا، فإن أقام أكثر منها في موضع واحد من الحجاز عزر إن لم يكن له عذر لها فإن كان في الداخلين من له


(١) المغنى جـ ٤ ص ٢٤٤ (فصل ومن طلب الأمان ليسمع كلام الله).
(٢) آية رقم ٩ من سورة التوبة.