يحفظها بنفسه، وبمن في عياله؛ لأن الظاهر أنه يلتزم حفظ مال غيره على الوجه الذي يحفظ مال نفسه، ولأنه لا يجد بدا من الدفع إلى عياله لأنه لا يمكنه ملازمة بيته ولا استصحاب الوديعة في خروجه فكان المالك راضيا به، فإن حفظها بغيرهم أو أودعها غيرهم ضمن لأن المالك رضى بيده لا بيد غيره، والأيدى تختلف في الأمانة، ولأن الشئ لا يتضمن مثله كالوكيل لا يوكل غيره، والوضع في حرز غيره إبداع إلا إذا استأجر الحرز فيكون حافظا بحرز نفسه، إلا أن يقع في داره حريق فيسلمها إلى جاره أو يكون في سفينة فخاف الغرق فيلقيها إلى سفينة أخرى لأنه تعين طريقا للحفظ في هذه الحالة فيرتضيه المالك ولا يصدق على ذلك إلا ببينه، لأنه يدعى ضرورة مسقطه للضمان بعد تحقق السبب فصار كما إذا ادعى الأذن في الإبداع، فإن طلبها صاحبها فمنعها وهو يقدر على تسليمها ضمنها، لأنه متعد بالمنع وهذا لأنه لما طالبه لم يكن راضيا بإمساكه بعده فيضمنه بحبسه عنه، وإن خلطها المودع بما له حتى لا تتميز ضمنها ولا سبيل للمودع عليها عند أبى حنيفة رحمه الله. مثالا إذا خلطها بجنسها شركه أن شاء وإن اختلطت بماله من غير فعله فهو شريك لصاحبها اتفاقا (١) والإِيداع عقد جائز؛ لأنه تصرف من المالك في ملكه، وقد يحتاج إليه عند إرادة السفر، والمودع ينب له القبول شرعا لما فيه من الإِعانة على البر قال الله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه" وبالقبول عليه أداء ما التزم وهو الحفظ حتى يؤديها إلى صاحبها؛ بقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}.
قال - صلى الله عليه وسلم -: "أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" وقال: "علامة المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" فعلى الموحد أن يحترز عما هو من علامة المنافق، وذلك بأن يحفظ الوديعة على الوجه الذي يحفظ به مال نفسه فيضعها في بيته أو صندوقه، لأنه وعد لصاحبها ذلك وخلف الوعد مذموم، وإذا ترك الحفظ بعد غيبة صاحبها ففيه ترك الوفاء بما التزم والغرور في حق صاحبها، وذلك حرام. فإن وضعها في بيته أو صندوقه فهلكت لم يضمنه لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال:"من أودع وديعة فهلكت فلا ضمان عليه"، والعارية أيضا تعتبر أمانه فلا ضمان إذ اهلكت قال عمر رضى الله تعالى عنه: العارية كالوديعة لا يضمنها صاحبها إلا بالتعدى. وقال على رضى الله تعالى عنه: لا ضمان على راع ولا على مؤتمن والمعنى أن المودع متبرع في حفظها لمالكها والتبرع لا يوجب ضمانا على المتبرع للمتبرع عليه فكان هلاكها في يده كهلاكها في يد مالكها وهو معنى قول الفقهاء رحمهم الله تعالى: يد المودع كيد المودع ويستوى إن هلك بما يمكن التحرز عنه أو بما لا يمكن لأن الهلاك بما يمكن التحرز عنه بمعنى العيب في الحفظ ولكن صفة السلامة عن العيب إنما يقر مستحقا في المعاوضة دون التبرع، والمودع متبرع. فإن دفعها إلى بعض من في عياله من زوجته أو ولده أو والديه أو أجيره فلا ضمان عليه إذا هلكت.