للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى هذا فإن الفعل المتحيل على ما لا يجوز غير مشروع فى الباطن بينه وبين الله تعالى، وغير صحيح ولا يترتب عليه أثر فى أحكام الدنيا إذا قامت الأدلة على القصد المحرم والباعث غير المشروع.

وعلى هذا فإن واهب النصاب قبيل الحول بقصد الفرار من الزكاة تحرم هبته وتبطل إذا ثبت بإقراره أو بالقرائن أنه إنما وهب النصاب بقصد الفرار من هذا الواجب وهو مجال الخلاف بين المالكية والحنابلة من جهة، وبين الشافعية والحنفية من جهة أخرى.

فالفريق الأول يبطلون الفعل الذى يقصد به الفاعل قصداً غير مشروع إذا قامت القرائن على هذا القصد، أما الفريق الآخر فإنهم وإن وافقوا على أن القصد إلى إبطال الحقوق وإسقاط‍ الواجبات وغير ذلك من النيات المحرمة والمقاصد غير المشروعة محرم، الا أن العقد أو التصرف لا يبطل بل يترتب عليه أثره، ويحكم بصحته قضاء، ولو ثبت قصد الفاعل غير المشروع أو نيته المحرمة، ما لم يكن العاقد قد أظهر هذا القصد أو تلك النية فى العقد نفسه، بحيث كانت داخلة فى صلب التصرف ومعبراً عنها فيه.

ويقرر الشاطبى أن هناك نصوصا شرعية يقطع مجموعها بالمنع من الاحتيال فى الشريعة ونحن نورد بعض هذه النصوص:

١ - ما جاء فى القرآن من نصوص خاصة بالمنافقين والمرائين: فقد ذم الله هذين الفريقين وتوعدهم بالعقوبة وشنع عليهم، ويتمثل النفاق فى الرياء فى أنهم أتوا قولا أو عملاً. للشارع منه قصد معين، وهم يقصدون منه ما يناقض هذا القصد، فالمنافق ينطق بكلمة الشهادة لا يقصد بها الخضوع فى الباطن والظاهر لله عز وجل، وإنما يقصد بها صيانة دمه وماله والمرائى يأتى العبادة لا يقصد بها التوجه إلى الله الواحد المعبود، ولا نيل الثواب فى الآخرة، وإنما قصده النيل من أوساخ الخلق، أو من تعظيمهم، أو غير ذلك من حظوظ‍ الدنيا الفانية، ومتعها الزائلة.

٢ - ما جاء فى القرآن فى شأن أصحاب السبت الذين حرم عليهم الصيد فى يوم السبت فحفروا حياضا تصلها قنوات بالبحر حتى تدخلها الحيتان يوم السبت ثم يحبسونها حتى يصيدوها فى الأيام الجائز فيها الصيد، وقد كان عقابهم بالمسخ، وهو أشنع العقوبات (١).

والاحتيال واضح فى أفعالهم، إذ إنهم ما قصدوا بالحفر مصلحه شرعية بل كان مقصدهم الاحتيال على فعل المنهى عنه.

٣ - ما جاء فى السنة من النهى عن جمع المتفرق وتفريق المجتمع خشية الصدقة ذلك أن الجمع والتفريق جائزان إذا قصد الخليطان مصلحة مشروعة لذلك الفعل، أما إذا كان ذلك الفعل لم يقصد به إلا إسقاط‍ الزكاة الواجبة أو تقليلها فإن هذا القصد يبطل لأن ما خالف قصد الشارع حرام باطل.

٤ - ما جاء فى السنة من تحذير


(١) سورة الأعراف: ١٦٣ - ١٦٨.