عندنا، وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه قول يسلمان معا، وفى قول يسلم المبيع أولا ثم يسلم الثمن، أما قوله الأول فبناء على أصله الذي ذكرنا وهو أن الثمن والمبيع من الأسماء المترادفة عنده ويتعين كل واحد منهما بالتعيين فكان كل ثمن مبيعا وكل مبيع ثمنا، وأما قوله الثاني وهو أن في تقديم تسليم المبيع صيانة العقد عن الانفساخ بهلاك المبيع وليس ذلك في تقديم تسليم الثمن لأنه لو هلك المبيع قبل القبض ينفسخ العقد وإن قبض الثمن فكان تقديم تسليم المبيع أولى صيانة للعقد عن الانفساخ ما أمكن. ويدل لنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الدين مقضى"، وصف - صلى الله عليه وسلم - الدين بكونه مقضيا عاما أو مطلق، فلو تأخر تسليم الثمن عن تسليم المبيع لم يكن هذا الدين مقضيا وهذا خلاف النص، وروى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ثلاث لا يؤخرن، "الجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت لها كفأ، والدين إذا وجدت ما يقضيه" وتقديم تسليم المبيع تأخير الدين، وهو منفى بظاهر النص، ولأن المعاوضات مبناها على المساواة عادة وحقيقة ولا تتحقق المساواة إلا بتقديم تسليم الثمن لأن المبيع متعين قبل التسليم، والثمن لا يتعين إلا بالتسليم على أصلنا فلا بد من تسليمه أولا تحقيقا للمساواة. ثم الكلام في هذا الحكم في موضعين أحدهما بيان شرط ثبوت هذا الحكم، والثانى في بيان ما يبطل به بعد ثبوته. أما شرط ثبوته فشيئان أحدهما أن يكون أحد البدلين عينا والآخر دينا فإن كانا عينين أو دينين فلا يثبت حق الحبس بل يسلمان معا، والثانى: أن يكون الثمن حالا فإن كان مؤجلا لا يثبت حق الحبس لأن ولاية الحبس تثبت حقا للبائع لطلبه المساواة عادة لما بنينا ولما باع بثمن مؤجل نقد أسقط حق نفسه فبطلت الولاية. ولو كان الثمن مؤجلا في العقد فلم يقبض المشترى المبيع حتى حل الأجل فله أن يقبضه قبل نقد الثمن، وليس للبائع حق الحبس لأنه أسقط حق نفسه بالتأجيل، والساقط متلاش، فلا يحتمل العود، وكذا لو طرأ الأجل على العقد بأن أخر الثمن بعد العقد فلم يقبض البائع حتى حل الأجل له أن يقبضه قبل نقد الثمن، ولا يملك البائع حبسه لما قلنا، ولو باع بثمن مؤجل فلم يقبض المشترى حتى حل الأجل هل له أجل آخر في المستقبل ينظر إن ذكرا أجلا مطلقا بأن ذكرا سنة مطلقة غير معينة فله أجل آخر هو سنة أخرى من حين يقبض المبيع عند أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه، وعند أبى يوسف ومحمد رضى الله تعالى عنهما الثمن حال وليس له أجل آخر وإن ذكرا أجلا بعينه بأن باعه إلى رمضان فلم يقبضه المشترى حتى مضى رمضان صار الثمن حالا بالإِجماع، وجه قولهما أن السنة المطلقة تنصرف إلى سنة تعقب العقد بلا فصل فإذا مضت انتهى الأجل كما لو عين الأجل نصا، ولأبى حنيفة رضى الله تعالى عنه أن الأصل في الثمن شرع نظرا للمشترى لينتفع بالمبيع في الحال مع تأخير المطالبة بالثمن ولن يحصل هذا الغرض له إلا وأن يكون اعتبار الأجل من وقت قبض المبيع فكان هذا تأجيلا من هذا الوقت دلالة بخلاف ما إذا عين الأجل لأنه نص على تعينه فوجب اعتبار المنصوص عليه إذ لا دلالة مع النص بخلافها. ولو كان في البيع خيار لشرط لهما أو لأحدهما والأجل مطلق فابتداء من حين وجوب العقد وهو وقت سقوط الخيار لا من حين وجوده لأن تأجيل الثمن هو تأخيره عن وقت وجوبه، ووقت وجوبه هو وقت وجوب العقد وانبرامه لا قبله إذ لا وجوب للثمن قبله. وأما بيان ما يبطل حق الحبس بعد ثبوته وما لا يبطل فنقول وبالله التوفيق إذا أخر