أحدها: أن يحضره في محله في لزمه قبوله لأنه أتاه بحقه في محله فلزمه قبوله كالمبيع المعين، وسواء كان عليه في قبضه ضرر أو لم يكن، فإن أبى قيل له إما أن تقبض حقك وإما أن تبرئ منه، فإن امتنع قبضه الحاكم من المسلم إليه للمسلم وبرئت ذمته منه لأن الحاكم يقوم مقام الممتنع بولايته وليس له أن يبرئ لأنه لا يملك الإبراء. الحال الثانية: أن يأتى به قبل محله فينظر فيه فإن كان مما في قبضه قبل محله ضرر إما لكونه مما يتغير كالفاكهة والأطعمة كلها أو كان قديمه دون حديثه كالحبوب ونحوها لم يلزم المسلم قبوله لأن له غرضا فى تأخيره بأن يحتاج إلى أكله أو إطعامه فى ذلك الوقت، وكذلك الحيوان لأنه لا يأمن تلفه ويحتاج إلى الإِنفاق عليه إلى ذلك الوقت وربما يحتاج إليه في ذلك الوثت دون ما قبله، وهكذا إن كان مما يحتاج فى حفظه إلى مؤنة كالقطن ونحوه أو كان الوقت مخوفا يخشى نهب ما يقبضه فلا يلزمه الأخذ فى هذه الأحوال كلها لأن عليه ضررا فى قبضه ولم يأت محل استحقاقه له فجرى مجرى نقص صفة فيه، وإن كان مما لا ضرر فى قبضه بأن يكون لا يتغير كالحديد والرصاص والنحاس فإنه يستوى قديمه وحديثه ونحو ذلك الزيت والعسل ولا فى قبضه ضرر الخوف ولا تحمل مؤنة فعليه قبضه لأن غرضه حاصل مع زيادة تعجل المنفعة فجرى مجرى زيادة الصفة وتعجيل الدين المؤجل. الحال الثالث أن يحضره بعد محل الوجوب فحكمه حكم ما لو أحضر المبيع بعد تفرقهما (١). ولا يخلو إما أن يحضر المسلم فيه على صفته أو دونها أو أجود منها، فإن أحضره على صفته لزم قبوله لأنه حقه وإن أتى به دون صفته لم يلزمه قبوله لأن فيه إسقاط حقه فإن تراضيا على ذلك وكان من جنسه جاز وإن كان من غير جنسه لم يجز لما تقدم، وإن اتفقا على أن يعطيه دون حقه ويزيده شيئا لم يجز لأنه أفرد صفة الجودة بالبيع وذلك لا يجوز، ولأن بيع المسلم فيه قبل قبضه غير جائز فبيع وصفه أولى. أما إن أحضر المسلم فيه أجود من الموصوف فينظر فيه فإن أتاه به من نوعه لزمه قبوله لأنه أتى بما تناوله العقد وزيادة تابعة له فينفعه ولا يضره إذ لا يفوته غرض، فإن أتى به من نوع آخر لم يلزمه قبوله لأن العقد تناول ما وصفاه على الصفة التي شرطاها وقد فات بعض الصفات فإن النوع صفة وقد فات فأشبهه ما لو فات غيره من الصفات، وقال القاضي رحمه الله تعالى يلزمه قبوله لأنهما جنس واحد يضم أحدهما إلى الآخر في الزكاة فأشبه الزيادة في الصفة مع اتفاق النوع. والأول أجود لأن أحدهما يصلح لما لا يصلح له الآخر فإذا فوته عليه فوت عليه الغرض المتعلق به فلم يلزمه قبوله كما لو فوت عليه صفة الجودة وهذا مذهب الشافعي رضى الله تعالى عنه، فإن تراضيا على أخذ النوع بدلا عن النوع الآخر جاز لأنهما جنس واحد لا يجوز بيع أحدها بالآخر متفاضلا ويضم أحدهما إلى الآخر في الزكاة فجاز أخذ أحدهما عن الآخر كالنوع الواحد، وقال بعض أصحاب الشافعي رضى الله تعالى عنهم: لا يجوز له أخذه للمعنى الذي منع لزوم أخذه، وقال إبراهيم لا تأخذ فوق سلمك في كيل ولا صفة، ويدل لنا أنهما تراضيا على دفع المسلم فيه من جنسه فجاز كما لو تراضيا على دفع الرديء الجيد أو الجيد مكان الرديء،