للبناء وللغراس وله الرجوع ما لم يضعه وبعد وضعه ما لم يبن عليه لأنَّهُ لا ضرر فيه، فإن بنى عليه لم يجز الرجوع لما في ذلك من هدم البناء، وإن قال أنا أدفع إليك أرش ما نقص بالقلع لم يلزم المستعير ذلك لأنَّهُ إذا قلعه انقلع ما في ملك المستعير منه ولا يجب على المستعير قلع شئ من ملكه بضمان القيمة، وإن انهدم الحائط وزال الخشب عنه أو أزاله المستعير باختياره لم يملك إعادته سواء بنى الحائط بآلته أو بغيرها لأن العارية لا تلزم، وإنما امتنع الرجوع قبل انهدامه لما فيه من الضرر بالمستعير بإزالة المأذون في وضعه وقد زال ذلك، وكذلك إذا سقط الخشب والحائط بحاله، وإن أعاره أرضا لزراعة شئ فله الرجوع ما لم يزرع فإذا زرع لم يملك الرجوع فيها إلى أن ينتهى الزرع، فإن بذل له قيمة الزرع ليملكه لم يكن له ذلك نص عليه أحمد رضى الله تعالى عنه لأن له وقتا ينتهى إليه، فإن كان مما يحصد قصيلا فله الرجوع في وقت إمكان حصاده لعدم الضرر فيه، وإن لم يكن كذلك لم يكن له الرجوع حتَّى ينتهى، وإن أذن له في البناء والغراس فيها فله الرجوع قبل قلعه، فإذا غرس وبنى فللمالك الرجوع فيما بين الغراس والبناء لأنَّهُ لم يتعلق به ملك المستعير ولا ضرر عليه في الرجوع منه فأشبه ما لو لم يبن في الأرض شيئًا ولم يغرس فيها، ثم إن اختار المستعير أخذ بنائه وغراسه فله ذلك لأنَّهُ ملكه فملك نقله ولا يلزم تسوية الحفر، ذكره القاضي لأن المستعير رضى بذلك حيث أعاره مع علمه بأن له قلع غرسه، ويحتمل أن عليه تسوية الحفر لأن القلع باختياره، فإنه لو امتنع منه لم يجبر عليه فلزمه تسوية الحفر كما لو خرب أرضه التي لم يستعرها، وإن أبى القلع فبذل له المعير ما ينقص بالقلع أو قيمة غراسه وبنائه دائما ليأخذه المعير أجبر المستعير عليه لأنَّهُ رجوع في العارية من غير إضرار، وإن قال المستعير أنا أدفع قيمة الأرض لتصير لى لم يكن له لأن الغراس تابع والأرض أصل ولذلك يتبعها الغراس والبناء في البيع ولا تتبعهما، وبهذا كله قال الشافعي رضى الله تعالى عنه، وقال أبو حنيفة ومالك رضى الله تعالى عنهما: يطالب المستعير بالقلع من غير ضمان إلا أن يكون أعاره مدة معلومة فرجع فيها قبل انقضائها لأن المعير لم يعره فكان عليه القلع كما لو شرطه عليه. ويدل لنا أنه بنى وغرس بإذن المعير من غير شرط القلع فلم يلزمه القلع من غير ضمان كما لو طالبه قبل انقضاء الوقت، وقولهم لم يعره ممنوع فإن الغراس والبناء يردان للمتبقية وتقدير المدة ينصرف إلى ابتدائه كأنه قال له: لا تغرس بعد هذه المدة، فإن امتنع المعير من دفع القيمة وأرش النقص، وامتنع المستعير من القلع ودفع الأجرة لم يقلع لأن الإعارة تقتضى الانتفاع من غير ضمان والإذن فيما يبقى على الدوام وتضر إزالته رضا بالإبقاء، وقول النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "ليس لعرق ظالم حق" يدلُّ بمفهومه على أن العرق الذي ليس بظالم له حق فعند ذلك إن اتفقا على البيع بيعت الأرض بغراسها ودفع إلى كل واحد منهما قدر حقه فيقال كم قيمة الأرض غير مغروسة ولا مبنية؟ فإذا قيل عشرة، قلنا وكم تساوى مغروسة ومبنية؟ فإن قالوا خمسة عشر قلنا فللمعير ثلثا الثمن وللمستعير ثلثه، وإن امتنعا عن البيع بقيا على حالهما وللمعير دخول أرضه كيف شاء والانتفاع بها بما لا يضر الغراس