اليمين فرد اليمين على سيدنا عثمان، وسيدنا عمر جوز ذلك. ويدل لنا ما روى أن شريحا قضى على رجل بالنكول فقال المدعى عليه أنا أحلف فقال شريح مضى قضائى وكان لا تخفى قضاياه على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر، فيكون إجماعا منهم على جواز القضاء بالنكول، ولأنه ظهر صدق المدعى في دعواه عند نكول المدعى عليه فيقضى له، كما لو أقام البينة، ودلالة الوصف أن المانع من ظهور الصدق في خبره إنكاره المدعى عليه وقد عارضه النكول لأنَّهُ كان صادقا في إنكاره لما نكل فزال المانع للتعارض فظهر صدقه في دعواه، أما قوله يحتمل أنه نكل تورعا عن اليمين الصادقة فإننا نقول: هذا احتمال نادر لأن اليمين الصادقة مشروعة، فالظاهر أن الإنسان لا يرضى بفوات حقه تحرزا عن مباشرة أمر مشروع، ومثل هذا الاحتمال ساقط الاعتبار شرعا، ألا يرى أن البينة حجة القضاء بالإِجماع وإن كانت محتملة في الجملة لأنها خبر من ليس بمعصوم عن الكذب، لكن لما كان الظاهر هو الصدق سقط اعتبار احتمال الكذب، كذا هذا، وأما الحديث فنقول البينة حجة المدعى وهذا لا ينفى أن يكون غيرها حجة، وقوله لو كان حجة لذكره نقول فيه: يحتمل أنه لم يذكره لما قلتم، ويحتمل أنه لم يذكره نصا مع كونه حجة تسليطا للمجتهدين على الاجتهاد ولمعرف كونه حجة بالرأى والاستنباط فلا يكون حجة مع الاحتمال. وأما رد اليمين على المدعى فليس بمشروع لما قلنا من قبل، وأما حديث المقداد فلا حجة فيه لأن فيه نكر الرد من غير نكول المدعى عليه وهو خارج عن أقاويل الكل فكان مؤولا عند الكل، ثم تأويله أن المقداد رضى الله تعالى عنه أدعى الإيفاء فأنكر سيدنا عثمان رضى الله تعالى عنه فتوجهت اليمين عليه، ونحن به نقول. هذا إذا نكل عن اليمين في دعوى المال، فإن كان النكول في دعوى القصاص فنقول لا يخلو إما أن تكون الدعوى في القصاص في النفس وإما أن تكون فيما دون النفس، فإن كان في النفس فعن أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه لا يقضى فيه بالقصاص ولا بالمال لكنه يحبس حتَّى يقر أو يحلف أبدا وإن كان الدعوى في القصاص في الطرف فإنه يقضى بالقصاص في العمد وبالدية في الخطأ وعندهما: لا يقضى بالقصاص في النفس والطرف جميعًا ولكن يقضى بالأرش والدية فيهما جميعًا بناء على أن النكول بذل عند أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه والطرف يحتمل البذل والإِباحة في الجملة فإنه من وقعت في يده آكلة والعياذ بالله تعالى فأمر غيره بقطعها يباح له قطعها صيانة للنفس وبه تبين أن الطرف يسلك مسلك الأموال لأنَّهُ خلق وقاية للنفس كالمال، فأما النفس فلا تحتمل البذل والإباحة بحال، وكذا المباح له القطع إذا قطع لا ضمان عليه والمباح له القتل إذا قتل يضمن، فكان الطرف جاريا مجرى المال بخلاف النفس فأمكن القضاء بالنكول في الطرف دون النفس فكان القياس أن لا يستحلف في النفس عنده كما لا يستحلف في الأشياء السبعة لأن الاستحلاف للتوسل إلى المقصود المدعى وهو إحياء حقه بالقضاء بالنكول ولا يقضى فيها بالنكول أصلا عنده فكان ينبغى أن لا يستحلف إلا أنه استحسن في الاستحلاف فيها لأن الشرع ورد به في القسامة وجعله حقا مقصودا في نفسه تعظيما لأمر الدم وتفخيما لشأنه لكون اليمين الكاذبة مهلكة فصار بالنكول مانعا حقا مستحقا عليه مقصودا فيحبس حتَّى يقر أو يحلف بخلاف الأشياء السبعة فإن