للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غيره وله أن يقول لا أذهب معك إلى فوق مسافة العدوى إلا بكذا وإن كثر. واعلم أنه قد يكون مشى الشاهد من بلد إلى بلد مع قدرته على الركوب خرما للمروءة والمتجه امتناعه فيمن هذا شأنه. قال الأسنوى رحمه الله تعالى: قال الأذرعى: بل يتقيد ذلك بالبلدين فقد يأتى في البلد الواحد ويعد ذلك خرما للمروءة إلا أن تدعو الحاجة إليه أو يفعله تواضعا. وإذا لم يكن في القضية إلا اثنان كأن لم يتحمل غيرهما أو مات الباقون أو جنوا أو فسقوا أو غابوا الزمهما الأداء لقول الله عز وجل: {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} (١) أي للأداء وقيل له وللتحمل. وقوله جل شأنه: {ومن يكتمها فإنه آثم قلبه} (٢) ومتى وجب الأداء كان فوريا، نعم له التأخير لفراغ حمام وأكل ونحوهما، ويؤخذ منه أن أعذار الشفعة أعذار هنا، فلو أدى واحد وامتنع الآخر بلا عذر وقال للمدعى احلف معه عصى، وإن كان الحاكم يرى الحكم بشاهد يمين لأن مقاصد الإشهاد والتورع عن الحلف، وكذا لو امتنع شاهدا نحو وديعه وقالا احلف على الرد، وإن كان في الواقعة شهود فالأداء فرض كفاية عليهم لحصول الغرض ببعضهم، فإن شهد منهم اثنان فذاك وإلا أثموا كلهم سواء دعاهم مجتمعين أم متفرقين، والممتنع أولا أكثرهم إثما لأنه متبوع كما أن المجيب أولا أكثرهم أجرا لذلك، فلو طلب الأداء من اثنين بأعيانهما لزمهما وكذلك لو طلب من واحد منهم ليحلف معه في الأصح لئلا يفضى إلى التواكل، والقول الثاني المقابل للأصح: لا كالمتحمل، وفرق الأول بأنه هناك طلبها لتحمل أمانة وهنا لأدائها ومحل الخلاف ما إذا علم المدعون أن في الشهود من يرغب في الأداء أو لم يعلم من حالهم شئ، أما إذا علم آباؤهم لزمهما قطعا. وإن لم يكن في القضية إلا واحد لزمه الأداء إذا دعى له إن كان فيما يثبت بشاهد ويمين والقاضى المدعو للأداء عنده يعتقد ذلك، وإلا فلا لعدم حصول المقصود به، وقيل لا يلزم الأداء إلا من تحمل قصدا لا اتفاقا لأنه لم يوجد منه التزام، ورد بأنها أمانة حصلت عنده فلزمه أداؤها، وإن لم يلتزمها كما لو طيرت الريح ثوبا في داره، ويتجه إلحاق النساء فيما يقبل شهادتهن فيه بالرجال في ذلك وإن كان معهن في القضية رجال، والأوجه عدم تكليف المخدرة الخروج بل يرسل إليها من يشهد عليها، ولو دعى لشهادتهن في وقت واحد قدم أخوفهما فوتا وإلا تخير. ولوجوب الأداء شروط أحدها أن يدعى من مسافة العدوى فأقل للحاجة إلى الإِثبات وتعذره بالشهادة على الشهادة لعدم قبولها حينئذ فإن دعى لما فوقها لم يجب للضرورة، واستثنى الماوردى رضى الله تعالى عنه من الوجوب ما إذا لم يعتد المشى ولا مركوب له أو أحضر له مركوب وهو ممن يستنكر الركوب في حقه فلا يلزم الأداء، فإذا لم يطلب لم يلزمه الأداء إلا في شهادة حسبة فيلزمه فورا إزالة للمنكر، وقيل الشرط أن يدعى من دون مسافة القصر لأنه في حكم الحاضر أما إذا دعى من مسافة القصر فلا تجب الإجابة جزما. نعم بحث الأذرعى رضى الله تعالى عنه وجوبه إذا دعاه الحاكم وهو في عمله أو الإِمام الأعظم مستدلا بفعل عمر رضى الله تعالى عنه واستدلاله إنما يتم من الإمام دون غيره والفرق بينهما ظاهر، وثانى الشروط أن يكون عدلا، فإن دعى ذو فسق مجمع عليه ظاهر أو خفى لم يجب عليه الأداء لأنه عبث بل يحرم عليه، وإن


(١) الآية رقم ٢٨٤ من سورة البقرة.
(٢) الآية رقم ٢٨٣ من سورة البقرة.