للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو يحتاج إلى التبذل في التزكية لم تلزمه لقول الله عز وجل: "ولا يضار كاتب ولا شهيد" (١) وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ضرر ولا ضرار" وهو لا يلزمه أن يضر نفسه لنفع غيره، وإذا كان ممن لا تقبل شهادته لم تجب عليه لأن مقصود الشهادة لايحصل منه، وهل يأثم بالامتناع إذا وجد غيره ممن يقوم مقامه؟ فيه وجهان:

أحدهما: يأثم لأنه قد تعين بدعاية، ولأنه منهى عن الامتناع بقول الله سبحانه وتعالى: {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} (٢).

والثانى: لا يأثم غيره يقوم مقامه فلم تتعين في حقه كما لو لم يدع إليها، فأما قول الله عز وجل: {ولا يضار كاتب ولا شهيد} فقد قرئ بالفتح والرفع، فمن رفع فهو خبر معناه النهى، ويحتمل معنيين:

أحدهما: أن يكون الكاتب فاعلا أي لا يضر الكاتب والشهيد من يدعوه بأن لا يجيب أو يكتب ما لم يستكتب أو يشهد بما لم يستشهد.

والثانى: أن يكون يضار فعل ما لم يسم فاعله فيكون معناه ومعنى الفتح واحدا أي لا يضر الكاتب والشهيد بقطعهما عن شغلهما بالكتابة والشهادة ويمنعا حاجتهما (٣).

والشهادة - كما ذكرنا - من فروض الكفاية، فإن تعينت على شخص بأن لا يتحملها من يكفى فيها سواه لزمه القيام بها، وإن قام بها من يكفى غيره سقط عنه أداؤها إذا قبلها الحاكم، فإن كان تحملها جماعة فأداؤها واجب على الكل، فإذا امتنعوا أثموا كلهم كسائر فروض الكفايات، ودليل وجوبها قول الله تبارك وتعالى: {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} (٤) وقوله جل شأنه: {يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط} (٣)، وفي آية أخرى {كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين} (٥) ولأن الشهادة أمانة فلزمه أداؤاها عند طلبه كالوديعة ولقول الله عز وجل: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} (٦) فإن عجز عن إقامتها أو تضرر بها لم تجب عليه لقول الله تعالى: {ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم} ومن له كفاية فليس له أخذ الجعل على الشهادة لأنه أداء فرض، فإن فرض الكفاية إذا قام به البعض وقع منهم فرضا وإن لم تكن له كفاية ولا تعينت عليه حل له أخذ الجعل لأن النفقة على عياله فرض عين فلا يشتغل عنه بفرض الكفاية، فإذا أخذ الرزق جمع بين الأمرين، فإذا تعينت عليه الشهادة احتمل ذلك أيضا واحتمل أن ألا يجوز لئلا يأخذ العوض عن أداء فروض الأعيان، وقال أصحاب الشافعي رضى الله تعالى عنهم لا يجوز أخذ الأجرة لمن تعنيت عليه، وهل يجوز لغيره؟ على وجهين (٧).


(١) الآية رقم ٢٨٢ من سورة البقرة.
(٢) الآية رقم ٥٨٢ من سورة البقرة.
(٣) الشرح الكبير على متن المقنع للإمام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن محمد بن قدامة المقدسى جـ ١٢ ص ٣، ص ٤ في كتاب أعلاه المغنى للإمام موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمود بن قدامة علي مختصر الإمام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى بتصحيح السيد محمد رشيد رضا الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة ١٣٤٨ هـ.
(٤) الآية رقم ٢٨٢ من سورة البقرة.
(٥) الآية رقم ١٨٥ من سورة المائدة.
(٦) الآية رقم ١٣٥ من سورة النساء.
(٧) الشرح الكبير على متن المقنع لابن قدامة المقدسى ج ١٢ ص ٥ الطبعة السابقة.