شيخنا أن يكون مؤنة من أحضره عند امتناعه من الحضور ببعث الختم على المطلوب أخذ مما يأتى. وفى الحاوى للقاضى أن يجمع بمن ختم الطين والمرتب إن أدى اجتهاده إليه من قوة الخصم وضعفه، فإن امتنع المطلوب من الحضور بلا عذر أو سوء أدب بكسر الختم ونحوه ولو بقول العون الثقة أحضره وجوبا بأعوان السلطان وعليه حينئذ مؤنتهم لامتناعه وغرره بما يراه من ضرب أو حبس أو غيره وله العفو عن تعزيره إن رآه، فإن اختفى نودى بإذن القاضي على باب داره أنه إن لم يحضر إلى ثلاثة أيام سمر بابه أو ختم عليه فإن لم يحضر بعد الثلاثة وطلب الختم سمره أو ختمه إجابة إليه إن تغرر عنده أنها داره ولا يرفع المسمار ولا الختم إلا بعد فراغ الحكم والظاهر كما قال الأذرعى رضى الله تعالى عنه أن محل التسمير أو الختم إذا كان لا يأديها غيره وإلا فلا سبيل إلى ذلك ولا إلى إخراج من فيها، فإن عرف موضعه بعث إليه النساء ثم الصبيان ثم الخصيان يهجمون الدار ويفتشون عليه ويبعث معهم عدلين كما قاله ابن القاص وغيره، فإذا دخلوا الدار وقف الرجال في الصحن وأخذ غيرهم في التفتيش، قالوا ولا هجوم في الحدود إلا في حد قاطع الطريق. قال الماوردى رحمه الله تعالى: وإذا تعذر حضوره بعد هذه الأحوال حكم القاضي بالبينة، وهل يجعل امتناعه كالنكول في رده اليمين؟ الأشبه نعم، لكن لا يحكم عليه بذلك إلا بعد إعادة النداء على بابه ثانيا بأنه يحكم عليه بالنكول، فإذا امتنع من الحضور بعد النداء الثاني حكم بنكوله، وإن امتنع عن الحضور لعذر كخوف ظالم أو حبسه أو مرض بعث إليه نائبه ليحكم بينه وبين خصمه أو وكل المعذور من يخاصم عنه ويبعث القاضي إليه من يحلفه إن وجب تحليفه، قال في المهمات: ويظهر أن هذا غير معروف النسب أو لم يكن عليه بينة وإلا سمع الدعوى والبينة وحكم عليه لأن المرض كالغيبة في سماع شهادة الفرع، فكذا في الحكم عليه، قال وقد صرح بذلك البغوي. أو كان الاستعداد على غائب في غير محل ولاية القاضي، فليس له إحضاره لأنه لا ولاية له عليه، ولو استحضره لم يلزمه إجابته. بل يسمع الدعوى والبينة ثم إن شاء أنهى السماع وإن شاء حكم بعد تحليف المدعى وإن كان في مسافة قريبة كما مر عن الماوردى رحمه الله تعالى. أو كان الاستعداء على غائب في محل ولاية وله هناك نائب لم يحضره القاضي لما في إحضاره من المشقة مع وجود الحاكم هناك، بل يسمع بينة عليه بذلك ويكتب بسماعها إلى نائبه ليحكم بها لإِمكان الفصل بهذا الطريق فلا يكلف الحضور، وإذا كان لا نائب له هناك فالأصح يحضره من مسافة العدوى (١) فقط، لكن بعد تحرير الدعوى وصحة سماعها، والقول الثاني المقابل للأصح: إن كان دون مسافة القصر أحضره وإلا فلا لأن ما دون مسافة القصر حكم الحاضر في مسائل كثيرة، والثالت: يحضره وإن بعدت المسافة وهذا ما اقتضى كلام الروضة وأصلها ترجيحه، وعليه العراقيون، ورجحه ابن المقرى رحمه الله تعالى لأن عمر رضى الله تعالى استدعى المغيرة بن شعبة في قضية من البصرة إلى المدينة، ولئلا يتخذ السفر طريقا لإبطال الحقوق، ومع هذا فالأوجه ما نكره
(١) مسافة العدوى هي التي يرجع منها مبكرا إلى موضعه ليلا، سميت بذلك لأن القاضي يعدى لمن طلب خصما منها لإحضار خصمه أي يقويه أو يعينه.