للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخامس: أنه لأحدهما ولا نعرفه فعلى هذا يتوقف أيضًا واختار إمام الحرمين التوقف ثم قال (١):

والدليل على ما قلناه - الأمر بذاته لا يدل على تكرار أو مرة - من ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه يصح أن يقال افعل ذلك مرة أو مرات وليس فيه تكرار ولا نقض إذ لو كان للمرة لكان تقييده بالمرة تكرارًا لما تفيده الصيغة من بالمرة ولكان تقييده بالمرات نقضًا ولو كان للتكرار لكان تقييده به تكرارًا وبالمرة نقضًا.

الثاني: أن الأمر المطلق ورد تارة مع التكرار شرعًا كآية الصلاة وعرفا نحو احفظ دابتى وورد تارة للمرة شرعًا كآية الحج وعرفا كقوله ادخل الدار فيكون حقيقة في القدر المشترك بين التكرار والمرة وهو طلب الإتيان بالفعل مع قطع النظر عن التكرار والمرة لأنه لو كان حقيقة في كل منهما لزم الاشتراك وإن كان في أحدهما فقط لزم المجاز وهما خلاف الأصل.

الثالث: وهو دليل على إبطال التكرار خاصة أنه لو كان للتكرار لعم الأوقات كلها لعدم أولوية وقت دون وقت والتعميم باطل لأنه تكليف بما لا يطاق ولأنه يلزم أن ينسخه كل تكليف يأتى بعده لا يمكن أن يجامعه في الوجود لأن الاستغراق الثابت بالأول يزول بالاستغراق الثابت بالثانى.

ثم أورد البيضاوى والإسنوى أدلة القائلين بأنه يفيد التكرار وردا عليها فقالا (٢):

احتج من قال بأن الأمر يفيد التكرار بثلاثة أوجه:

الأول: أن أهل الردة لما منعوا الزكاة تمسك أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - في وجوب تكرارها بقوله تمالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} ولم ينكر عليه أحد من الصحابة فكان ذلك إجماعًا منهم على أنها للتكرار.

والجواب أنه لعل النبي عليه السلام بين للصحابة أن هذه الآية للتكرار فإن قيل الأصل عدمه قلنا لما أجمعوا على التكرار مع أن الصيغة المجردة لا تقتضى ذلك تعين ما قلناه جمعًا بين الأدلة.

الثاني: النهى يقتضى التكرار فكذلك الأمر قياسًا عليه والجامع أن كلا منهما للطلب.

وجوابه أن الانتهاء عن الشئ أبدًا ممكن لأن فيه بقاء على العدم وأما الاشتغال به أبدًا فغير ممكن.

الثالث: لو لم يدل على التكرار بل دل على المرة لم يجز ورود النسخ لأن وروده إن كان بعد فعلها فهو محال لأنه تكليف وإن كان قبله فهو يدل على البداء وهو ظهور المصلحة بعد خفائها أو بالعكس وهو على الله تعالى محال. لكن ورود النسخ جائز فدل على أنه للتكرار.

وجوابه أن النسخ لا يجوز وروده على الأمر الذي يقتضى مرة واحدة لكن إذا ورد على الأمر المطلق صار ذلك قرينة في أنه كان المراد به التكرار. وحمل الأمر على التكرار لقرينة جائز.

ثم انتقلا إلى دليل القائلين بأنه مشترك بين التكرار والمرة والإجابة عليه فقالا (٣):


(١) المصدر السابق ص ٢٧٠.
(٢) المصدر السابق ٢٧١.
(٣) المصدر السابق ٢٧٢.