للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذهب الحنفية والحنابلة وكل من قال بحمل الأمر على التكرار إلى وجوب التعجيل، وذهبت الشافعية والقاضى أبو بكر وجماعة من الأشاعرة والجبائى وابنه وأبو الحسين البصرى إلى التراخى وجواز التأخير عن أول وقت الإمكان.

وأما الواقفية فقد توقفوا لكن منهم من قال: التوقف إنما هو في المؤخر هل هو ممتثل أم لا؟ وأما المبادر فإنه ممتثل قطعا. لكن هل يأثم بالتأخير؟ اختلفوا فيه فمنهم من قال بالتأثيم وهو اختيار إمام الحرمين. ومنهم من لم يؤثمه. ومنهم من توقف في المبادر أيضا وخالف في ذلك إجماع السلف.

ثم قال: والمختار أنه مهما فعل كان مقدما أو مؤخرا كان ممتثلا للأمر ولا إثم عليه بالتأخير والدليل على ذلك أن الأمر حقيقة في طلب الفعل لا غير، فمهما أتى بالفعل في أي زمان كان: مقدما أو مؤخرا كان آتيا بمدلول الأمر فيكون ممتثلا للأمر ولا إثم عليه بالتأخير لكونه آتيا بما أمر به على الوجه الذي أمر به.

وبيان أن مدلول الأمر طلب الفعل لا غير وجهان:

الأول: أنه دليل على طلب الفعل بالإجماع والأصل عدم دلالته على أمر خارج. والزمان وإن كان لابد منه من ضرورة وقوع الفعل المأمور ولا يلزم أن يكون داخلا في مدلول الأمر فإن اللازم من الشئ أعم من الداخل في معناه؛ ولا أن يكون متعينا كما لا تتعين الآلة في الضرب. ولا الشخص المضروب وإن كان ذلك من ضرورات امتثال الأمر بالضرب.

الثاني: أنه يجوز ورود الأمر بالفعل على الفور وعلى التراخى. ويصح مع ذلك أن يقال بوجود الأمر في الصورتين. والأصل في الإطلاق الحقيقة ولا مشترك بين الصورتين سوى طلب الفعل لأن الأصل عدم ما سواه؛ فيجب أن يكون هو مدلول الأمر في الصورتين دون ما به الاقتران من الزمان وغيره. نفيا للتجوز والاشتراك عن اللفظ.

تم تكلم عن خمس شبه تؤيد القائلين بدخول الوقت في مقتضى الأمر (١)

الأولى: أنه إذا قال السيد لعبده "اسقنى الماء" فإنه يفهم منه تعجيل السقى حتى أنه يحسن لوم العبد وذمه في نظر العقلاء بتقدير التأخير ولولا أنه من مقتضيات الأمر لما كان كذلك إذ الأصل عدم القرينة.

الثانية: أن مدلول الأمر وهو الفعل المأمور به لا يقع إلا في وقت وزمان فوجب أن يكون الأمر مقتضيا للفعل في أقرب زمان كالمكان.

وكما لو قال لزوجته أنت طالق ولعبده أنت حر فإن مدلول لفظه يقع على الفور في أقرب زمان.

الثالثة: أن الأمر مشارك للنهى في مطلق الطلب والنهى مقتض للامتثال على الفور فوجب أن يكون الأمر كذلك.


(١) الإحكام جـ ٢ ص ٢٤٣.