للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستشعر اعتراضا على هذا بعدم جواز التكليف فأثبت جوازه بالدليل العقلى والشرعى ثم انتقل إلى الرد على القائلين بالفور فقال: (١)

قولهم: في جواز التأخير نقض الوجوب إذ الواجب ما لا يسع تركه.

قلنا: ما ذكرتم حكم الواجب المضيق فأما الموسع فحكمه جواز التأخير إلى وقت مثله بشرط أن لا يخلى الوقت عنه ولو أخلى عصى وأثم. فلا يلزم من التأخير نقض الوجوب.

وقولهم: في التأخير تفويت وذلك حرام.

قلنا: الفوات لا يتحقق إلا بموته. وليس في مجرد التأخير تفويت لأنه يتمكن من الأداء في جزء يدركه من الوقت بعد الجزء الأول حسب تمكنه في الجزء الأول. وموت الفجاءة نادر لا يصلح لبناء الأحكام عليه، فيجوز له التأخير إلي إذا يغلب علي ظنه بأمارة أنه إذا أخر بفوت المأمور به. والظن عن أمارة دليل من دلائل الشرع كالاجتهاد في الأحكام فيجوز بناء الحكم عليه.

فإن قيل: في قولكم فيمن مات بغتة أيموت عاصيا أم غير عاص؟ فإن قلتم يموت عاصيا فمحال لأنا إذا أطلقنا له التأخير واختر منه المنية من غير أن يحس بحضورها لم يتصور إطلاق وصف العصيان عليه؛ لأن العصيان بالتأخير مع إطلاق التأخير محال، وإن قلتم يموت غير عاص فلم يبق للوجوب فائدة.

قلنا: اختلف الأصوليون فيه فمنهم من قال: إذا مات بعد تمكنه من الأداء يموت عاصيا لأن التأخير إنما أبيح له بشرط أن لا يكون تفويتا وتغيير المباح بشرط مستقيم في الشرع كالرمى إلى الصيد يباح بشرط أن لا يصيب آدميا؛ وهذا لأنه متمكن من ترك الترخص بالتأخير بالمسارعة إلى الأداء التي هي مندوب إليها فقلنا بأنه يتمكن من البناء على الظاهر ما دام يرجو الحياة عادة وإن مات كان مفرطا لتمكنه من ترك الترخص بالتأخير.

ومنهم من قال: لا يموت عاصيا ولكنه لا يدل على بطلان فائدة الوجوب وهذا لما بينا أن التأخير عن الوقت الأول إلى وقت مثله لم يحرم عليه لأنه ليس فيه تفويت المأمور به ثم إذا أحس بالفوات بظهور علامات الموت منعناه من التأخير لأنه تفويت بعد ذلك، فإذا مات بغتة وفجأة فهو غير مفوت للمأمور به لأنه أخر عن وقت إلى وقت مثله. وقد أطلقنا له ذلك فصار الفوات عند موته بغتة من غير ظهور أمارت الموت مضافا إلى صنع الله تعالى لا إلى العبد لأنه قد فعل ما كان مطلقا له فلم يصح وصف فعله بالتفويت فلم يجز أن يوصف بالعصيان. ثم عدم وصفه بالعصيان لم يدل على فوات فائدة الوجوب لأنا فحققنا صفة الواجبية فيما يرجع إلى فعل العبد من منعه من التفويت فبوجود الفوات من الله تعالى لا تبطل فائدة الوجوب.

على أننا تقول يجب اعتقاد وجوبه على التوسع كما يلزم فعله على التوسع فإذا وجب الفعل عل حسب ما يعتقده من الوجوب ووجب


(١) المصدر السابق ص ٢٥٥.