للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن كان الأول، فإما أن يختلف المأمور به أو يتماثل.

فإن اختلف فلا خلاف في اقتضاء المأمورين.

على اختلاف المذاهب في الوجوب والندب والوقف وسواء أمكن الجمع بينهما كالصلاة مع الصوم، أم لا يمكن الجمع كالصلاة في مكانين. أو الصلاة مع أداء الزكاة.

وإن تماثل: فإما أن يكون المأمور به قابلا للتكرار أو لا يكون قابلا له، فإن لم يكن قابلا له كقوله: "صم يوم الجمعة. صم يوم الجمعة" فإنه للتأكيد المحض. وإن كان قابلا للتكرار، فإن كانت العادة مما تمنع من تكرره كقول السيد لعبده: "اسقنى ماء. اسقنى ماء" أو كان الثاني منهما معرفا كقوله: "أعط زيدا درهما. أعط زيدا الدرهم" فلا خلاف أيضا في كون الثاني مؤكد للأول وإنما الخلاف فيما لم تكن المادة مانعة من التكرار والثانى غير معرف كقوله: "صل ركعتين صل ركعتين" فقال القاضي عبد الجبار: إن الثاني يعتبر غير ما أفادة الأول ويلزم الإتيان بأربع ركعات مصيرا منه إلى أن الأمر الثاني لو انفرد أفاد اقتضاء الركعتين. فكذلك إذا تقدمه أمر آخر، لأن الاقتضاء لا يختلف. وخالفه أبو الحسن البصرى بالذهاب إلى الوقف والتردد بين حمل الأمر الثاني على الوجوب أو التأكيد للأول.

والأظهر أنه إذا لم تكن المادة مانعة من التكرار ولم يكن الثاني معرفا أن مقتضى الثاني غير مقتضى الأول. وسواء قلنا إن مقتضى الأمر الوجوب أم الندب أم هو موقوف بين الوجوب والندب. لأنه لو كان مقتضيا عين ما اقتضاه الأول لكانت فائدته التأكيد ولو كان مقتضيا غير ما اقتضاه الأول لكانت فائدته التأسيس، والتأسيس أصل. والتأكيد فرع وحمل اللفظ على الفائدة الأصلية أولى.

فإن قيل إلا أنه يلزم منه تكثير مخالفة النفى الأصلى، ودليل براءة الذمة من القدر الزائد وليس أحد الأمرين أولى من الآخر، فهو معارض بما يلزم من التأكيد من مخالفة ظاهر الأمر فإنه إما أن يكون ظاهرا في الوجوب أو الندب أو هو متردد بينهما على وجه لا خروج له عنهما على اختلاف لمذاهب. وحمله على التأكيد خلاف ما هو الظاهر من الأمر. وإذا تعارض الترجيحان سلم لنا ما ذكرناه أولا. كيف وإنه يحتمل أن يكون للوجوب في نفس الأمر وفى تركه محذور فوات المقصود من الواجب وتحصيل مقصود التأكيد.

ولا يخفى أن تفويت مقصود التأكيد وتحصيل مقصود الواجب أولى.

وأما إذا كان الأمر الثاني معطوفا على الأول، إن كان المأمور به مختلفا فلا نزاع أيضا في اقتضائهما للمأمورين. أمكن الجمع بينهما أو لم يمكن. وإن تماثلا فالمأمور به إن لم يقبل التكرار فالأمر الثاني للتأكيد من غير خلاف كقول: "صم يوم الجمعة وصم يوم الجمعة" وإن كان قابلا للتكرار فإن لم تكن العادة مانعة من التكرار وليس الثاني معرفا فالحكم على ما تقدم فيما إذا لم يكن حرف عطف، ويزيد آخر وهو موافقة الظاهر من حروف العطف وذلك كقوله "صل ركعتين وصل ركعتين". وأما إن كانت العادة تمنع من التكرار كقوله "اسقنى ماء واسقنى ماء" أو كان الثاني معرفا كقوله: "صل ركعتين وصل الركعتين" فقد تعارض الظاهر من حروف العطف


(١) شرح طلعت الشمس على الألفية ١/ ٤٩.