للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبق - فإنه ينوى الصوم ساعة صح الخبر عنده ويمسك عما يمسك عنه الصائم ويجزئه صومه. ولا قضاء عليه فإن لم يفعل فصومه باطل وكذلك أيضا من عليه صوم نذر معين في يوم بعينه فنسى النية وتذكرها بالنهار فكما قلنا ولا فرق.

وكذلك من نسى النية في ليلة من ليالى الشهرين المتتابعين الواجبين ثم تذكر بالنهار وكذلك من نام قبل غروب الشمس في رمضان فلم ينتبه إلا بعد طلوع الفجر أو في شئ من نهار ذلك اليوم ولو في آخره فكما قلنا أيضا آنفا سواء بسواء ولا فرق في شئ أصلا.

وبرهان ذلك قول الله تعالى: {ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم} (١) وكذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وكل مَنْ ذكر ناسٍ أو مخطئ غير عامد فلا جناح عليه.

ولِمَا روى عن الرُبَيِّع بنت مُعَوِّذ قالت: "أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة "من كان أصبح صائما فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه" (٢).

ولما روى عن سلمة بن الأكوع قال: "أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا من أسلم أن أذن في الناس: أن من أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم فإن اليوم يوم عاشوراء". (٣)

وروى أن قوما شهدوا بالهلال بعد ما أصبحوا فقال عمر بن عبد العزيز: "من أكل فليمسك عن الطعام، ومن لم يأكل فليصم بقية يومه".

ورُوى مثل هذا عن عطاء وغيره (٤).

ومن أسلم بعد ما تبين الفجر له أو بلغ كذلك أو رأت المرأة الطهر من الحيض أو من النفاس كذلك أو أفاق المجنون أو برأ المريض أو قدم المسافر بعد الفجر فإنهم يأكلون باقى نهارهم ويجامعون من نسائهم من لم تبلغ أو من طهرت في يومها ذلك، ويستأنفون الصوم من غدٍ، لأنه صح أنهم في هذا اليوم غيرُ صائمين أصلا، وإذا كانوا غير صائمين فلا معنى لإمساكهم ولا أن يُؤمَروا بصوم ليس صوما أصلا ولا هم مؤدون به فرضا لله تعالى ولاهم عاصون له بتركه.


(١) الآية رقم ٥ من سورة الأحزاب.
(٢) سبق تخريج هذا الحديث في مذهب الحنفية.
(٣) رواه البخارى جـ ١ ص ١٣٨. الطبعة الأولى بالمطبعة الشرفية سنة ١٣٠٤.
(٤) المحلى لابن حزم جـ ٦ ص ٢٣٨ - ٢٣٩ مسألة رقم ٧٢٩، وص ٣٥٧ رقم ٧٥٨ الطبعة السابقة.